هذه العلاقة دليل أكيد على التجاذب الروحي بين البشر الذي يحدث رغم كل الحواجز والمسافات والغموض، فعلم الباراسايكولوجي او التخاطر الذي من بين أختصاصاته دراسة انتقال المشاعر والافكار بين الناس في حالات الحب والكراهية.

كنت اذهب كل يوم الى المكتبة العامة في أثناء اقامتي في احدى العواصم العربية، وكنت اتجاهل النساء المحجبات المنقبات لأنهن ميؤوس منهن في امكانية حصول علاقة صداقة اوحب وربما زواج، فضلا عن انزعاجي الشديد من النقاب الذي ترتديه النسوة فهو ليس له علاقة بالاسلام.

ولكن سرعان ماظهر في قاعة المكتبة ما يستوجب تغيير القناعات والسلوك من قبلي، لاأعرف متى وكيف حصل وتطور الأمر، الذي أعرفه انني أصبحت مشدودا الى طالبة دراسات عليا علوم دينية ترتدي النقاب ولايظهر منها سوى عينها، وبدأت انجذب اليها، واشتاق الى مجيئها الى المكتبة، وطوال مكوثها في قاعة المطالعة كنت أراقب حركاتها، ونتيجة ملاحقاتي لها صرنا نتبادل النظرات، واعتبرت هذا التطور انجازا كبيرا أحققه مع أمراة منقبة.


كانت وهي تتحرك نحو رفوف المكتبة تفيض بالسحر والحيوية والفرح والعذوبة، كانت وهي صامتة توحي هيئتها بالأمان والطمأنينة والحنان، وفيها نداء الى اللقاء والحديث، كانت قريبة اليّ كثيرا.

كنت لاأستطيع الفصل ما بين جمالها الخارجي الذي كنت أشعر به رغم عدم رؤيتي لوجهها، وما بين جمالها الروحي، كنت مأخوذا بها، لقد أحببتها، وحسمت أمري وقررت خطبتها والزواج منها دون ان اعرف حتى اسمها.

ولما كنت لاأريد احراجها والحديث معها امام الناس في المكتبة، فمنظر الرجل وهو يتكلم مع أمراة منقبة امام الناس يعتبر كارثة، خصوصا ان ملامح شكلي واضح عليها انها ملامح شخص غريب ليس من أهل البلد، أرسلت لها احدى البنات اللائي تربطني معها علاقة زمالة، أصطحبتها زميلتي الى خارج قاعة المطالعة، واخبرتها عن رغبتي بالزواج منها، وكان جوابها الرفض فوراً لأن عائلتها ترفض تزويج أبنتها الى شخص غريب من خارج البلد.

وكذلك رفضت الحديث معي مباشرة للتفاهم حول الموضوع مبررة رفضها لزميلتي من انها لاتريد الحديث معي خوفا من ان تتعلق مشاعرها بي وأتعلق بها، وكان جوابها هذا مدمرا لي، اذ كشف لي كم ان هذه المرأة رقيقة وشفافة ولديها وعي بأهمية وخطورة الحب، ولهذا هي تحاول الهرب منه.

بقيت علاقتنا البصرية الصامتة داخل قاعة المطالعة كما هي دون تغيير، وفي أحد الايام كنت استقل المصعد الكهربائي داخل المكتبة العامة، فدخلت هي الى المصعد، كنت وحدي فألقت التحية عليّ، وكانت هذه أول مرة نتبادل فيها الكلام، مما شجعني أن أطلب منها الحديث لدقائق في كافتريا المكتبة وفهمت هي قصدي عن موضوع الزواج، و رفضت وأجابتني مباشرة بلهجتها المحلية (( أهلي مايرضون )) قلت لها ان عرضي مازال قائما، وكررت هي نفس الجواب، وتمنيت لها التوفيق في حياتها وشكرتني ومضت، كان صوتها فيه حزن وألم !


هل كانت تحبني؟

خضير طاهر
[email protected]