تبحث قوى المجتمع المدني في ايران دوما عن ملاذ ليجتمع رموزها و ليعلنوا عن آرائهم النقدية تجاه الحكومة. وهذا ما حدث يوم الخميس الماضي حيث أصدر قبل ذلك نحو 54 ناشط سياسي و صحافي بيانا دعوا فيه الى الاجتماع في مبنى نقابة الصحفيين الايرانيين من أجل quot; صيانة حرية التعبير و تكريم عماد الدين باقي أحد الشخصيات الثقافية و المساند لأسرة الصحافة و الناشط في مجال حقوق الانسان والداعي للحرية و التفكيرquot;.
وعمادالدين باقي هو صحافي اصلاحي و رئيس لرابطة الدفاع عن حقوق السجناء في ايران و معتقل منذ اكثر من شهر في طهران.
فقبل الملاذ، يجب ان تكون هناك حجة، حيث وفر اعتقال باقي تلك الحجة التي جمعت المئات من الصحافيين و الشخصيات المستقلة وأطياف مختلفة من المعارضة الاصلاحية و غير الاصلاحية في مبنى نقابة الصحفيين الايرانيين (انجمن صنفي روزنامه نگاران ايران) بطهران.
فمنذ البوابة يمكن للمشاهد المتابع للشأن الايراني أن يرى التطورات التي شهدها المجتمع المدني الايراني منذ صعود المتشددين الى رأس السلطة و سقوط الاصلاحيين منها، حيث كانوا ( وأعني الاصلاحيين) في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي يهيمنون على معظم المؤسسات المدنية باعتبارهم quot; موالاة و معارضةquot; في آن واحد.
في بوابة مبنى النقابة الواقع في الزقاق quot;رقم 7quot; المتفرع من شارع quot;الشهيد كبكانيانquot; لم تشاهد الاصلاحيين، بل الذين يحيون بالضيوف هم من اليسار العلماني والقوى الليبرالية الدينية المعروفين هنا بالقوى القومية ndash; الدينية ( ملي ndash; مذهبي). و عندما تدخل قاعة الاجتماع ترى التنوع اكثر فاكثر، حيث يمكنك ان تشهد التركيبة الحقيقية للمعارضة الداخلية والقوى المستقلة وممثلي المؤسسات المدنية.
وقد تصافحت في القاعة مع المحاميين محمد سيف زادة ومحمد شريف وهما عضوا رابطة الدفاع عن حقوق الانسان التي ترأسها المحامية الحائزة على جائزة نوبل شيرين عبادي، و من ثم محمد علي عموئي أحد زعماء حزب التودة الشيوعي المحذور حيث سألوني عن مصير محاكمتي التي تمت يوم الأحد الماضي في محكمة الثورة بطهران.
و قد جلست الى جانب وزير النفط الاسبق معين فر و العضو السابق في مجلس قيادة الثورة عزت الله سحابي وهما من تحالف القوى القومية - الدينية.
كما شاهدت في القاعة وجوه كنت اشاهدها عادة في مثل هذه الاجتماعات و قد اذكر هنا بعضها لأُبين اتجاهاتها السياسية و القومية. لكن وقبل ذلك يجب أن اذكر إن معظم هؤلاء إما لديهم ملفات قضائية أو إنهم مروا بفترات إعتقال، إما في عهد الشاه وأما في عهد الجمهورية الاسلامية. فعلى سبيل المثال قضى محمد علي عموئي ndash; الذي نشرت حوارا معه قبل سنوات في إحدى الصحف العربية ndash; نحو 37 عاما في سجون الشاه و الجمهورية الاسلامية ( 25 عاما في عهد الشاه و 12 عاما في عهد الجمهورية) و عزت الله سحابي 11 عاما في العهدين.
فمن الحاضرين يمكن ان اشير الى الاصلاحيين منهم: وزير الداخلية الاسبق عبدالله نوري، و رئيس نقابة الصحفيين رجبعلي مزروعي، و عضو جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في ايران عيسى سحرخيز، و رئيس تحرير صحيفة quot; شهروند امروزquot; محمد قوشانيquot;، و المتحدث باسم اتحاد خريجي الجامعات الايرانية عبدالله مؤمني، والمفكرين الدينيين هاشم آغاجري و حجة الاسلام محسن كديفر؛ و من الليبراليين الاسلاميين: الامين العام لحركة حرية ايران ابراهيم يزدي، ورئيس تحرير صحيفة quot; نامةquot; المحذورة كيوان صميمي، وعضو المجلس المركزي لاتحاد خريجي الجامعات الايرانية احمد زيدآبادي والعضوة في رابطة الدفاع عن حقوق السجناء مرضة مرتاضي لنكرودي؛ ومن زعماء الجبهة القومية ( جبهة ملي) الفارسية الاتجاه: كوروش زعيم، ومن اليسار العلماني: المفكر الاقتصادي فريبورز رئيس دانا، و عضوي اتحاد الكتاب عليرضا جباري
و سيامك طاهري؛ ومن القوميات غير الفارسية: الكردي بهرام ولدبيكي، ومن عرب الاهواز: رئيس رابطة الجالية الاهوازية في طهران حسن عباسيان و عضو اتحادي الكتاب و الصحفيين الايرانيين يوسف عزيزي؛ و من المحامين البارزين: نائب رئيس رابطة الدفاع عن السجناء فريدة غيرت و المتحدث باسم الرابطة صالح نيكبخت وهو كردي ايضا.
هذه اللوحة تظهر للقارئ تنوع الاطياف السياسية و القومية المشاركة في ذلك الاجتماع حيث عكست المواقع و الصحف الفارسية في الداخل و الخارج تفاصيل ماجرى فيه.
فقد انتقد معظم المتحدثين في الاجتماع، اعتقال عمادالدين باقي و سياسات الحكومة الايرانية تجاه الصحافة و الطلبة و النساء و القوميات واهل السنة و الدراويش، واصفين اياها بالخطيرة والقمعية، محذرين من أن تؤدي في ظل التهديدات الامريكية الى تفتيت البلاد. فلايمكن لي ان انقل كل الانتقادات لكنني سأشير الى أهمها.
استند ابراهيم يزدي في كلمته الى تصريحات الرئيس محمود احمدي نجاد في الولايات المتحدة الامريكية والتي قال فيها ان هناك حرية مطلقة في ايران. وأكد يزدي ان كلام احمدي نجاد صحيح لكن الحرية المطلقة هي للحكومة لتسجن و تقمع و تقوم باي شيء ترغب فيه دون اي اهتمام بانتقادات المصلحين.
واتهم هاشم آغاجري الحكومة بإثارة الفجوات الاجتماعية، والقومية والدينية و المذهبية و الجنسية في المجتمع الايراني وشبهها بحكومة الشاه سلطان حسين الصفوي آخر ملوك السلالة الصفوية التي انقرضت على يد الافغان المهاجمين. وقارن آغاجري بين مايجري في ايران و باكستان مؤكدا على استقلال القضاء في باكستان.
و تعرض حسن عباسيان الى ما قام به عمادالدين باقي من اجل تقليص حالات الاعدام بين المتهمين بالتفجيرات من العرب الاهوازيين مثنيا على جهوده المضنية في هذا المجال و معتبرا اياه الوحيد بين الايرانيين الذي قام بهذه المهمة.
وكان تركيز رئيس دانا على القضايا العمالية و العمال المعتقلين بسبب محاولاتهم لإنشاء نقابات عمالية.
وقال عبدالله مؤمني ان حقوق الانسان بالنسبة لنا هي استراتيجية و تكتيك معا.
ان انعقاد مثل هذه الاجتماعات في امكنة غيرمكشوفة و ذات سعة محدودة تظهر أن السلطة الايرانية ndash; ورغم شدة مواجهتها مع الفئات السياسية و الاجتماعية المختلفة - لاتريد أن تغلق كل المنافذ حيث تأخذ بعين الاعتبار ما جرى لنظامي الشاه السابق في ايران و صدام حسين في العراق. وللحق نقول ان المعارضة الايرانية و في أشد الظروف كانت و ماتزال تصرخ و تنتقد رغم كل عمليات التنكيل.
ويبدو ان السلطة لاتخشى اجتماع محدود لم تغطيه وسائل الاعلام الاجنبية. بل ويبدو انها لاتمنع مثل هذه الاجتماعات كي لاتسد جميع النوافذ خشية وقوع انفجار شعبي. ولم يعرف هل تستمر هذه النافذة إم إن الحكومة ستغلق هذا الشيء القليل ايضا اذا اشتدت الضغوط الخارجية و الداخلية؟

يوسف عزيزي