من غير المعقول ان تهرب اميركا وهي الدولة المحتلة والمسؤولة عن كل ما حدث للعراق من تدمير وفساد وقتال طائفي وحزبي دون ان تقدم حلا لإنقاذ العراق، فانتشار الحقد والكراهية بين القوميات والأديان والتدهور الذي حصل في المؤسسات العلمية والثقافية كان نتيجة طبيعية للحرب الغير مدروسة التي قادتها اميركا ضد العراق، وما من شك بان اميركا اصبحت اليوم مالكة العراق ارضا وثروة وامام انظار هيئة الأمم، لكن المهم هو ماذا تحقق للعراقيين واين هو النظام الديمقراطي الذي بشرت به اميركا ليحل محل نظام الدكتاتور صدام حسين، هل النظام الطائفي الذي باركته
وما نتج عنه من جرائم القتل والتهجير وسلب المال العام هو ما كان ينتظره العراقيون، ان ما حدث للعراق هو هجمة بربرية بكل معنى الكلمة قادتها اميركا تحت عنوان محاربة الدكتاتورية وارساء الديمقراطية، وان الحكومات التي باركتها اميركا لحكم العراق كانت طائفية وعديمة الكفاءة وتتستر بغطاء الدين لتخفي تخلفها.
الا تعلم اميركا ان العراقيين فقدوا الآلاف من ابناءهم في حروب ساقها صدام دون مراعاة لنتائجها المدمرة على شعبه، اوليس ما قامت به اميركا يقع بنفس المعنى ويسئ لجوهر الديمقراطية التي تتبجح بها.
ان العراقيين امام مسؤولية ادبية واخلاقية وتأريخية للنطق بكلمة حق لفضح تأمر هؤلاء القادمين وفضح مخططهم الذي يبغي تمزيق العراق واعادته الى عصور الجاهلية والشعوذة، فالعراقيون الأصلاء بمختلف مكوناتهم الدينية والقومية ومنذ الاف السنين قد تعايشوا فيما بينهم بكل مودة ومحبة وتربوا على ثقافة تحترم كل الأفكار والمعتقدات، ولانهم كذلك فلا يمكن ان يخدعوا بشعارات كاذبة كالتي سيقت اليهم، لقد آن الآوان لقيام العراقيين بكشف زيف القادمين من خارج الحدود ومن يعاونهم في الداخل من الكتل البشرية التي نصبت نفسها لحكم العراق والتي لا تقل تخلفا
وظلما عما سبقها في الحكم، فاقل ما يقال عنها انها كتل تحمل افكارا انتهازية بربرية كتلك المجاميع القبلية التي كانت في الماضي تهاجم القوافل والبيوت الأمنة فتشيع الرعب وتمارس السلب والنهب والقتل دون رادع اخلاقي ولا ديني.
ان الذي يزيدنا تفائلا بعودة العراق الى وضعه الطبيعي موحدا بين الأمم هو في قدرة العراقي الأصيل لفضح نوايا هذه القوى الإنتهازية والمتخلفة من خلال المشاركة عبر الوسائل الإعلامية المتاحة لكشف كذبها وعدم صلاحيتها لحكم العراق، وكشف حقيقة ما جرى للعراق وعن الأسباب الغير حقيقية واللاّ منطقية والتي أدت الى غزوه وتدميره بالكامل ثم نهبه وتمزيق نسيجه الإجتماعي وتغيير ثقافته، ما يؤسفنا هو صمت البعض من العراقيين المثقفين على ما يحدث في وطنهم من قتل وتهجير طائفي وديني.
لقد حذرنا مرارا من ان { العراق } قد وضع على قائمة التقسيم بعد غزوه الكويت مباشرة، وان خطوات التقسيم كانت قد بدأ تنفيذها، حيث حوصر اقتصاديا لأكثر من عشر سنوات، ثم قُسّم الى ثلاث مناطق منع فيها تحليق الطيران العسكري لمنع صدام من مهاجمة المعارضين لنظامه في الشمال والجنوب، وبعد احتلال العراق من قبل اميركا في 2003 استمر هذا الحال التقسيمي حيث ظهر جليا من خلال حكومات المحاصصة الطائفية حيث باركتها اميركا وجندت لها الاف الرجال ودعمتها ماديا واعلاميا لفرض واقع التقسيم الطائفي والعرقي على الأرض.
اما ايران فقد استغلت ما خلفته الفوضى الأمريكية في العراق فزجت برجالها وهي تعلن جهارا انها موجودة على ارض العراق وتتدخل في كل صغيرة وكبيرة ولها من يؤيدها من المتنفذين في الحكومة العراقية، بل وذهبت اكثر حيث غزت جنوب العراق اقتصاديا وثقافيه معتبرة ان الجنوب جزءا لا يتجزأ من ايران وانها القادرة على التحكم في الوضع الأمني والإقتصادي فيه، لكن المثير ان قيادة اميركا تعلم علم اليقين ان ايران تتدخل في الشأن العراقي اقتصاديا واجتماعيا وعسكريا وتساهم في خلق الفوضى الطائفية من خلال ميليشيات محلية تدعمها بالمال والسلاح حيث قامت بتصفية
الغالبية من قادة الجيش العراقي المشاركين في الحرب ضدها ومن مختلف الصنوف، كما انها ساهمت في دخول تنظيم القاعدة الذي هو الآخر يساهم في استمرار الفوضى الطائفية في العراق، كل ذلك يحدث والقيادة الأمريكية تصرح ليل نهار ودون خجل انها جاءت لإرساء الديمقراطية ولبناء العراق، فاي ديمقراطية أسستها اميركا واي ازدهار جاءتنا به، واي محبة وألفة زرعها الحاكمون بين اطياف الشعب العراقي.
والسؤال الذي يطرحه العراقيون من داخل الوطن لأهلهم واصدقاءهم خارج الوطن..هل قرأتم مقالا او شعرا او شاهدتم لوحة لرسام عراقي او حضرتم مسرحية عن العراق او شاهدتم مهرجانا سينمائيا او سمعتم اغنية لمطرب عراقي يمتدحون فيها هذه الديمقراطية التي روجت لها اميركا ومن جاء معها، هل هناك من اشار الى ان في العراق اليوم إنتعاش إقتصادي وتقدم علمي وثقافي تقوده حكومة وطنية ونزيه، وقبل ان تجيبوا.. اعلمكم الى ان الغالبية من الأدباء والفنانين والمبدعين بكل اصنافهم يصرحون،انهم تعرضوا للتهديد والمضايقات من قبل بعض المسؤولين الحكوميين المرتبطين
بأحزاب دينية، مما اظطرهم للهرب من الموت المحتم.
مؤخرا جاء على لسان احد المسؤولين الإيرانيين المهوسين تصريحا مفاده ان احلال الأمن في العراق لن يتحقق الا بخروج القوات الأمريكية من اراضيه، ودعوة ايران وبعض الدول العربية بارسال بعض من قواتهم لسد الفراغ حيث ان ذلك هو الحل الأمثل لإنقاذ العراق، واضاف هذا المسؤول البطران ان اي اتهام لإيران بتورطها بعمليات القتل والإغتيالات والإختطافات والتفجيرات واشاعة الفوضى والفتنة ومساعدة الإرهابيين لقتال اميركا على ارض العراق فانه اتهام باطل وغير حقيقي!
وقال اثناء حضوره اجتماعا مع البعض من على شاكلته، ان على الحكومة العراقية عدم السماح للقوات الأمريكية بالبقاء على ارض العراق الى اجل غير مسمى حيث ان بقاءها سيزيد من الإحتقان الطائفي والفساد المالي..... quot; انتهى مضمون التصريح quot;. وكانه يشير الى ان واقع حكم العراق اليوم ليس طائفيا ولا وجود للفساد الإداري وسرقة المال العام بين صفوف اعضاءه ولا دخل لإيران في شؤونه اطلاقا ومطلقا، لكن الواقع الحالي في العراق يشيرعكس ذلك تماما، كما ان تصريحات المتابعين للشأن العراقي يعتبرون ان العراق هو نقطة البداية التي اختارتها اميركا لتنفيذ مشروعها في
المنطقة، وان انجاح مخططها هذا يستوجب إبقاء العراق في فوضى الإقتتال الطائفي لأنه اسلوب ثبت نجاحه في المجتمعات التي ما زالت الأمية الدينية والسياسية تنتشر بين ابناءها، فنقول لهذا المهوس ولمن على شاكلته، ان عدم استقرار العراق هو نتيجة لتدخلكم واثارتكم للفتنة الطائفية بين ابناءه والتي تستفيد منه اميركا، فاستقرار العراق هي مسؤولية ابناء العراق فقط لا غير.
لقد تبين على الواقع ان حكومة المحاصصة الطائفية والمدعومة من اميركا، غير كفوءة ولا تملك برنامجا معدا يتيح الفرصة لقيام عراق ديمقراطي وحظاري تتمتع فيه كل المكونات بالعيش الآمن والرغيد، حيث تبين للعراقيين والعالم ان همها الوحيد هو التسابق للثراء بطرق غير مشروعة، حيث وردت تسريبات تؤكد شراء بعض من المسؤولين المتنفذين في الحكومة لعقارات في دول اجنبية وبارقام فلكية، ناهيك عما نسمعه من سرقات المال العام داخل الوطن، كما ان تدخل ايران في الشأن العراقي وإيغالها في ممارسة الطقوس وعادات عفى عليها الزمن وبعلم الحكومة العراقية دليل على
ارتباط الأخيرة وتبعيتها لإدارة سلطة الملالي الحاكمة في ايران.
ان سماح اميركا لتدخل ايران في الشأن العراقي ساهم الى حد كبير في اثارة الفوضى الطائفية وانتشار الأحقاد، وهو اسلوب ذكي وحكيم لإحكام السيطرة على البلد، فقاعدة فرق تسد والكيل بمكيالين والتي تمارسها اميركا هي الصالحة وخاصة في المجتمعات العربية والإسلامية حيث تعاني هذه المجتمعات من ضعف وتدني في الثقافة الدينية والسياسية، فالكثير من ابناء شعوبها يعتقدون بان خلاصهم ودخولهم الجنة يتأتى عبر الغاء الآخر سواء بذبحه او ارغامه على تغيير عقيدته الدينية او القومية، كالذي حدث للأقوام الغير مسلمة، وهذا ما يسهل على اميركا والقوى الإنتهازية
من تحقيق اهدافها، ولذلك فان العراقي بكل انتماءاته الدينية والقومية يتحمل جزءا من المسؤولية حين يتقاعس عن دوره في التوعية والإرشاد، ويوصف بالخائن حين لا يقول الحقيقة.
ختاما نقول ان العراق لن يتعافى ما دامت quot; القيادة الأميركيةquot; مصرة على احتلال العراق ونهب ثروته، كما ان اصرار quot;القيادة الإيرانيةquot; على منهج تصدير الثورة يزيد من استمرار العنف الطائفي.
ان الحل الوحيد لإستقرار العراق والمنطقة لن يتحقق الا بتراجع القيادتين عن تنفيذ اهدافهما ومشاريعهم الإنتهازية والغير عادلة.
ادورد ميرزا
اكاديمي مستقل
التعليقات