هناك فارق جوهري عندما نستنسخ البرامج الحوارية والتلفزيونية الغربية أو نقلد طريقة أصحابها في التقديم. هذا الفارق يتضح في أساس ومصدر الجرأة وتمكن المذيع أو المقدم وثقته في نفسه وصلابة الأرض القانونية التي يرتكز عليها الطرفين. فالبرامج الحوارية التلفزيونية ذات النبرة العالية والأسئلة الاختراقية مثل quot; هارد توك quot; أوquot; كروس فاير quot; أو برنامج لاري كينج quot; هم في الأساس إفراز لتطور quot; السلطة الرابعة quot; في تلك الدول والجميع يعلم أن هذا المصطلح يطلق على الصحافة ووسائل الأعلام الحرة والمستقلة. والجميع كذلك يدرك صلابة البناء الديمقراطي الحر الذى تقوم عليه الأنظمة هناك. حيث وجود الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، فالأرضية هناك مهيأة تماماً لقيام الحوار الصريح والمباشر فالقضية ليست افتعال بقدر ما هي تطور طبيعي مرتبط بجذوره وأساســــــه القانوني والدستوري. على الجانب المقابل الذى يحدث عندنا هو انقلاب الصورة ففي ظل التدفق الإعلامي الذى يشهده العالم وانسياب المعلومة بشكل لا حدود له والتطور الكبير في وسائل نقلها جرى ويجرى استنساخ إفرازات تطور quot; السلطة الرابعة quot; هناك ومحاولة زرعها في أرض لم تهيأ بعد قانونياً ولا دستورياً ولم تتطور بعد التطور السياسي المرجو فالسلطات الثلاث لا تزال مدمجه في بعضها البعض وصورية الى حد كبير فتخرج النتائج مشوه ومبتورة وربما تزيد من شقة الخلاف والصراع وتبقى في أحسن صورها صراخ يتعالى ثم يرتد وتبدو الأمور وكأنها تأخذ الطابع الشخصي الصرف وتصفية الحسابات.


حتى إقامة القنوات الفضائية ذات المساحة الكبيرة من الحرية في حاجة تامة وماسة الى الأرضية الدستورية الصالحة لكي تؤدى وظيفتها ولا تتحول الى أداة للخصومة والعراك لعدم وجود مثل هذه الأرضية ويصبح أفرادها مطاردون أو متهمون بإثارة النعرات والخصومات. ولا يكفى فقط استيراد أفضل المقدمين الذين تتلمذوا في أحضان التجربة الإعلامية في الغرب لكي تكون النتائج مشابهة أو مطابقة لما يمكن أن تحدثه هناك. فالقضية في الأساس متمثلة في الإصلاح السياسي الدستوري الضروري والملح اليوم أكثر من أي وقت مضى وإقامة السلطات الثلاث بشكل أكثر صلابة. والعمل على الفصل بينهما وبحيادية القضاء على الأقل من تسلط السلطتين التشريعية والتنفيذية كخطوه أولى حتى نستطيع أن نستفيد من مثل هذه البرامج الحوارية المفتوحة ولا نصفق لمقدم كونه جريئاً أو هجومياً وهو يتحرك ربما بضمانات شخصية في حين الإطار القانوني الدستوري مغيب إذا لم يكن غير موجود من الأساس ويتزايد عدد الضحايا لغيابة ويتحول الأمر في آخر المطاف الى بطولة مزيفة وجرأة مصطنعه لا تقف فوق أرض صلبه فالفرق بين الإفراز الحقيقي والتقليد والاستنساخ هو أن الأول له جذوره الذى يستسقي منها بقاءه والثاني إسقاط من فوق لا يلبث حتى يزول وأن أعجب المشاهدين بريقه.

عبدالعزيز بن محمد الخاطر
كاتب قطري