الاغلبية الصامتة في البصرة تراقب منذ اكثر من اربعة اعوام الذي يحدث في المدينة، اي منذ تلك الانتخابات التي اشعلت خلالها الاحزاب الدينية العاطفة المذهبية للناخبين لكي تسوق مقولات و مصطلحات ما يعرف باسم ( المظلومية الشيعية ) وتولي الطائفة الاقل عددا ونسبة حكم الدولة العراقية منذ نشوئها في القرن الماضي.


الان احزاب شعار المظلومية تتقاتل فيما بينها ليس من اجل توفير الحياة و المستقبل الكريم لهؤلاء المظلومين، وانما لتمعن في ظلمهم و اذلالهم وتحويل حياتهم الى جحيم لم يشهدوا مثل ناره المتأججة منذ ان ولدوا وكبروا ليعبث بهم الطاغية و الان على يد ضحاياه وبشكل لا يقل بشاعة وقذارة.


الاحتراب الشيعي ndash; الشيعي في اعلى و اسفل الهرم المجتمعي و السلطوي، تطايرت شظاياه في كل مكان منذرا بتحويل البصرة اغني مدن العراق وبوابته المطلة على الخليج الى ساحة مفتوحة لنزاع مسلح للسيطرة على النفوذ و الثروة بعد ان تغادرها بالكامل القوات البريطانية التي حزمت حقائبها استعدادا للرحيل النهائي.
ان ما تقوم به الجماعات الدينية المختلفة من ممارسات هو في جوهره ( تجسيد لسلوك سياسي و ثقافي قامع لحركة المجتمع، يعكس حقيقة واحدة غير قابلة للشك او التشكيك و هي ان البلاد استبدلت ديكتاتورية السلطة السابقة بسلوك يستند الى ديكتاتورية دينية).


ولم يتوقف التسلط الديني في البصرة عند لصق الشعارات التي كان احدها على جدران جامعة البصرة ونصه( البصرة ستظل بصرة مقتدى ) على غرار الشعار البعثي ( البصرة تدين بالولاء للرئيس القائد )، او استثمارتقاليد المآتم الحسينية، بل ان هذا التيار يستخدم ( محاكمه الشرعية ) التي اصبحت فوق القانون، حيث اخذت تصدر احكاما مختلفة بحق المواطنين تصل احيانا الى الاعدام او مصادرة الممتلكات حتى تلك التابعة للمؤسسات الرسمية، ولا يمكن نسيان واقعة مهاجمة عناصر جيش المهدي المدججة بالعصي و الاسلاك الغليظة و الاسلحة طلبة كلية الهندسة اثناء قيامهم برحلة الى حدائق الاندلس و اتهامهم بممارسات مخلة بالاسلام.


ان القرار الذي كانت اتخذته القوات البريطانية بزج عناصر المليشيات في الاجهزة الامنية وانسحاب الحكومة المركزية التام من البصرة، حول المدينة الى قاعدة لوجستية وقانونية للتحكم بمواردها وتحديد مستقبلها لاسيما و ان الادارة المحلية هي في جوهرهاالحزبي والرسمي حاضنة لهذه المليشيات، ولعل استنتاج المحلل في مركز الدراسات الستراتيجية في لندن مارتن نافياس الذي يشير الى ( ان القوات البريطانية سمحت لمختلف الجماعات المتنافسة باحكام هيمنتها في البصرة، فيما كانت سيطرتها هي ضعيفة وهامشية للغاية)، يمثل اولا دليلا على فشل هذه القوات والحكومة البريطانية التي تقف ورائها ليس في بناء نموذج الادارة المحلية الديمقراطية القوية و الفعالة فقط، وانما اخفاقها الشنيع في حماية المواطنين من ارهاب و عنف وعبث القوى السياسية الدينية المتحكمة بالسلطة، والحفاظ على ممتلكات الدولة و ثرواتها من النهب الشامل.


الفوضى التي يعيشها مجلس المدينة منذ عدة اشهرو المتجسدة في الانقسامات الحادة وحرب الصلاحيات المحتدمة والتي لم تخلو من التراشق بالاسلحة المختلفة على انغام العزل و العزل المضاد، تمثل اخفاقا اضافيا لحكومة المالكي الطائفية وعجز رئيسها المحاط ب(زمرة) من عديمي الكفاءة الادارية و العلمية و السياسية الذين قدموا من دولة مجاورة يحملون اجندتها، و الا كيف يمكن تفسير استمرار تفاقم المشكلة التي يكتفي مبعوثو المالكي و مستشاريه الذين اصلا لايفقهون شيئا لا في السياسة و لا في الادارة فضلا عن انهم جزء من المشكلة وليس من الحل بترديد حكايات الروزخون كنهج لانقاذ البصرة من الهلاك و الكارثة.


ويشيرالبصراويون الى ان دور مجلس المحافظة يتقلص و ينحسر باستمرار بعد اخفاقه في استمالة الحكومة، مما دفع اعضائه الى تكريس وقتهم لتحقيق المزيد من المكاسب الشخصية قبل الانتخابات المرتقبة.
ويسخر العاملون في شركة نفط الجنوب من نفي وزير النفط حسين الشهرستاني لعمليات تهريب للنفط، مشيرين الى ان شط العرب ملوث من النفط المتسرب من عشرات القطع البحرية التي تقوم بتهريبه، فيما قال مدير العمليات الفريق موحان حافظ ان الشرطة عاجزة عن تنفيذ مهمانها لان معظم ضباطها خاضعون للاحزاب و الميليشيات وولائها ليس للدولة، وان اية جريمة تحدث تكاد لا تخلو من سيارة للشرطة او افراد من قوى الامن الداخلي.


وفي الواقع ان الاختراق الايراني للبصرة يتم عبر الاحزاب القادمة من هناك و المسيطرة على مفاصل القرار في المدينة، الى درجة ان وزير الخارجية هوشيار زيباري كان ابلغ طهران احتجاج الحكومة لابرامها عقود مشاريع مع مجلس المحافظة من دون علم و موافقة السلطة المركزية.


وقامت ايران بتقديم ما يكفي من التمويلا ت المالية لهذه الاحزاب لتشييد المدارس الدينية وتأسيس المنتديات و الجمعيات الخيرية التي تقدم الخدمات الطبية و المساعدات الانسانية و المالية للعائلات الفقيرة التي تبعث مقابل ذلك باولادها و بناتها ليكونون في خدمة مخططاتها للسيطرة على البلاد باشكالها المختلفة بما فيها المشاركة في الانتخابات بالتصويت للمرشح الذي يريده فيلق القدس في الحرس الثوري، وهو نموذج نجح في تطبيقه ملالي ايران في جنوب لبنان على يد وكيلها صاحب النصر الالهي حسن نصر الله وفي غزة ( المستقلة) برعاية آيات الله الجدد في حماس.


قبل ايام اعلن قائد شرطة البصرة اللواء الركن جليل خلف، الذي نجا من سادس محاولة اغتيال( ان جماعات سياسية و مافيات مرتبطة بها جمعت اموالا طائلة من سرقة المال العام و التهريب، اصبحت اكثر عدوانية في تحديها لسلطة القانون) و اضاف ( اقاتل دولا لها امكانات كبيرة خارج طاقتنا!).
لقد لخص استاذ جامعي رفض ذكر اسمه لدواع امنية مايجري في البصرة بالكلمات التالية(لا احد يجرؤ على قول كلمة، ولا احد يعرف من يحكم البصرة!).

د. محمد خلف
[email protected]