رغم ان تجربة التركمان السياسية حديثة العهد بصيغتها العلنية حيث تشكل اول حزب تركماني علني عام 1990، هذا إذا استثنينا نشاط منظمة التركمان الديمقراطيين التي تشكلت في دمشق عام 1977 مع ذلك توصف السياسة التركمانية عموماً بالعقلانية وقد تبلورت في الاساس من الاحساس الحر للنخبة التركمانية المثقفة بالمصلحة الوطنية الحيوية في تحديد الهدف على الصعيد الاستراتيجي، الذي تمثل في التمسك المبدئي بوحدة العراق ارضاً وشعباً، ولم تتأثر بمغريات الحكم الذاتي وتقرير المصير او الفيدرالية على غرار ما اقرتها مؤتمرات المعارضة العراقية للاكراد منذ عام 1991، وكرستْ دستورياً من قبل الحكومات العراقية بعد سقوط النظام السابق في 2003، بل ان منتسبي الجبهة التركمانية العراقية والمواطنين التركمان عموما، صوتوا ضد الدستور الذي تضمن تقسيم العراق الى الفيدراليات والاقاليم، عدا بعض الطارئين على الشعب التركماني

ولم تتضمن مناهج الاحزاب التركمانية المنضوية في إطار الجبهة التركمانية العراقية، مشروعاً إتحادياً من اي نوع او شكل طيلة الفترة السابقة لسقوط النظام وبعده، ألا انه بعد صدور قرار الكنغرس الامريكي في تشرين الاول 2007 الذي قسم العراق الى ثلاثة اقاليم على اساس طائفي وعرقي، والذي جاء منسجماً مع مشروع تقسيم العراق الى الاقاليم المنصوص عليها في الدستور العراقي، عندئذ ارتفعت اصوات بعض الاطراف التركمانية تطالب بالفيدرالية او باقليم مستقل، متزامنةً مع قرب طرح قانون الاقاليم للمناقشة في مجلس النواب وانتهاء المدة المحددة لتطبيق المادة 140 في نهاية العام الحالي.

وقد جاء رد رئيس الجبهة التركمانية العراقية الدكتور سعد الدين اركيج، على المشاريع الهادفة الى تقسيم العراق الى الاقاليم في تصريح له، في تشرين الثاني الماضي، بالقول quot;عندما يكون هناك ثلاث اقاليم سيكون هناك الرابع وسيتمثل باقليم مستقل يشمل المناطق التركمانية، ربما اراد بتصريحه هذا اشهار السلاح ذاته بوجه المشاريع التقسيمة التى تهدد وحدة العراق فضلاً عن تمزيق الكيان التركماني في العراق بتقسيمه الى كيانات اقليمية ثلاثة، ولكن لحد الان، حسب علمي، لم تقدم رئاسة الجبهة التركمانية (مشروع اقليم مستقل للتركمان) بصورة رسمية، مما يعني بانها مازالت متمسكة بموقفها المبدئي الثابت والرافض للمشاريع الفيدرالية والاقاليمة في العراق.
ومن جهته، قدم عضو الكتلة التركمانية في مجلس المحافظة علي مهدي صادق وهو احد منتسبي حزب تركمان ايلي، مشروع فيدرالية مستقل لمحافظة كركوك في شهر تشرين الاول 2007 علما بأن حزبه قدم مشروع اقليمي بين كركوك والموصل عام 2001، إلا انه اضطر الى سحبه في اليوم الثاني من نشره في صحيفة تركمان ايلي لمعارضة رئاسة الجبهة على المشروع في حينة باعتباره خروجاً على هدف الجبهة المعلن والثابت المتمثل بالدولة اليونيتارية (الوحدوية) التي تتبنى في الاساس الثلاثية الاحادية وهي ( وطن واحد، شعب واحد، علم واحد)

وفي منتصف الشهر المنصرم طرح عباس البياتي عضو الائتلاف في مجلس النواب ( مشروع اقليم مستقل) لمحافطة كركوك في جلسة مجلس النواب، ولكن لا ادري فيما اذا قدمه عن النواب التركمان في قائمة الائتلاف وبتنسيق مع الجبهة التركمانية، ام انه اعرب عن رايه الشخصي.
على كل حال اصبحنا الان امام ثلاث مطالب تشكيل اقليم مستقل لمحافطة كركوك او انشاء اقليم تركماني يشمل جميع المناطق التركمانية.
الاول ndash; نادى به رئيس الجبهة التركمانية رداً على مشاريع التقسيم ولكن بشرطها وشروطها.
الثاني - مشروع الفيدرالية الذي اعلن عنه عضو مجلس المحافظة والمنسوب الى حزب تركمان ايلي علي مهدي.
الثالث - مشروع اقليم مستقل لمحافظة كركوك طرحه عباس البياتي عضو الائتلاف العراقي الموحد، للمناقشة في جلسة مجلس النواب بذلك اتخذ مشروعه طابعاً رسمياً من الناحية الشكلية.
واللافت تزامن هذه الطروحات مع قرب مناقشة موضوع الاقاليم المنصوص عليه في الدستور العراقي في مجلس النواب وقرب انتهاء المدة لتطبيق المادة 140 في نهاية العام الحالي.

ويجدر ان نسجل هنا الملاحظات التالية:
1-ان ثمة تغيير مبدئي طرأ على النهج السياسي التركماني تمثل في التحول من رفض النظام الفيدرالي والاقاليم الى قبوله بل للمطالبة به،
2-أن اكثر من طرف تركماني اعلن عن طلب تشكيل اقليم مستقل لمحافظة كركوك او اقليم يشمل كافة المناطق التركمانية، مما يعني تعدد الخطاب التركماني وإن تشابهت عناوين المطلب، بما يدل على الارتجال وغياب التنسيق فضلاً عن عدم وجود مشروع متفق عليه.
3_ مما لا شك ان تغيير الهدف الستراتيجي سيؤدي الى التغيير في الموقع السياسي، يستصحبه
بالضرورة تبديل الحلفاء السياسين بالاخرين الذين كانوا يقفون في المعسكر المضاد، وفي
ارض الواقع يعني الابتعاد عن القوى السياسية التي تعارض مشاريع الفيدرالية والاقاليم، والاقتراب من الكتل التي تتبناها وفي مقدمتها، التحالف الكردي والمجلس الاعلى الإسلامي، الامر الذي يتوجب الحذر من الوقوع في الفخ يحفر لنا بيد ذوي النوايا الحسنة او الرؤى القاصرة
ان اولى تداعيات هذا التغيير في موقف التيار التركماني، بانت في انفراد الكتلة العربية في مجلس المحافظة (4/12/2007) وتفاوضها مع الكتلة الكردية وعودتها الى المجلس بدون التشاور مع الكتلة التركمانية، بعد انسحاب الكتلتين التركمانية والعربية بالاتفاق من المجلس منذ اكثر من عام، احتجاجاً على هيمنة الكتلة الكردية على المجلس وشؤون المحافظة بالكامل، وباعتقادي ان انفصام عرى العلاقة بين الكتلة العربية والتركمانية نتج عن اعلان مشروع الفيدرالية او الاقليم من قبل بعض اعضاء الكتل التركمانية في المجلسين المحافظة والنواب.

والسؤال المهم الذي نطرحه هنا:
في حال تشكيل اقليم خاص لمحافظة كركوك مرتبطةً بالمركز، او ابقاء المحافظة على وضعها الحالي، تدار من قبل مجلس المحافظة سواءً ُتشكل من القوميات بنسب متساوية ( 32 عضو لكل من العرب والتركمان والاكراد واربعة اعضاء للاشوريين) او تطبيقاً لنتائج المادة 140، وبالتصويت عليه في مجلس النواب، فهل سينتهي الصراع حول عائديتها وارتباطها، موضوع الخلاف بين الاطراف.؟
دعك عن عدم امكانية تحقيق ذلك، لصعوبات فنية، تتعلق بالاحصاء والاستفتاء والخلاف حول حدود المحافظة الحالية، او باعادة المناطق التي فصلتْ عنها في عهد النظام السابق، فضلا عن تعذر الحصول على ثلثي اصوات الناخبين سواءاً في الاستفتاء اوالمصادقة عليه في مجلس النواب.
البحث عن الاجابة على هذا السؤال يثير تساؤلات اخرى وهي:
1-هل ان التحالف الكردي سيحترم قرار تشكيل اقليم مستقل لكركوك مرتبط بالمركز ويلتزم به.؟ وهل سيكف عن محاولاته لاجراء مزيداً من التغيير الديمغرافي باللجوء الى اساليب غير قانونية وغير شرعية بالتعويل على الخبرة الوسعة في مجال التزوير وفرض سياسة الامر الواقع.؟
2-وهل يوافق التحالف الكردي على استثناء محافظة كركوك من تطبيق المواد الدستورية التي تتعلق بحرية ( التنقل والسكن والعمل) للمواطنين في ارجاء العراق.؟
3-وهل يتوقع منهم الاقلاع من ممارسة الضغوط والاغراءآت على العرب الوافدين، واثارة القلاقل والاضطرابات في المحافظة لاجبار العرب والتركمان على ترك المحافظة، ومن ثم العودة الى مطلبهم لإلحاق المحافظة الى الاقليم الكردي، ربما باللجوء الى هيئة الامم المتحدة مطالبين باعادة الاحصاء السكاني والاستفتاء مجدداُ..؟

وعليه يمكنني الاستنتاج بسهولة، من هذه التساؤلات، تعذر حل مشكلة كركوك وانهاء الصراع القائم حولها باي شكل، مالم يتخلى التحالف الكردي عن حلمه واطماعه التي لم يعد يخفى على احد.. ويقلع عن مطالبته بضم المحافظة الى الاقليم الكردي، إما اضطراراً او قسراً، تفرضه عليهم القوى العراقية الوطنية التي تحرص على وحدة العراق ارضاً وشعباً والاقليمية الساندة لوحدة العراق التي لها مخاوف جدية من الطموحات الكردية المستقبلية، كما يتوقف على موقف الولايات المتحدة الامريكية الداعم لوحدة العراق او تقسيمه الى دويلات. وبعكسه لا مفر من حرب اهلية بين الحكومات القومية او الخضوع لإرادة الحزبين الكرديين والمتحالفين معهما.

وثمة خيار وسط آخر، يوفر لمكونات القومية في المحافظة تتولي إدراة شؤون شعبها بنفسها في المدينة الواحدة، باعتماد نموذج ( بروكسل) الذي يضمن بقاء كركوك مدينة التآخي للقوميات والطوائف نموذجاً للعراق ويكون كفيلاً لنزع فتيل مستوع البارود المهيئ للانفجار.
وقد سبق لي تقديم فكرة اولية عن هذا الموضوع، بتاريخ 1/ 5/ 2005 في ندوة نظمها نادي الاخاء التركماني في بغداد، بأعتباره حلاً لمشكلة كركوك المزمنة من وجهة نظري الشخصية، ولما كانت المعلومات التي لدي عنه اولية، وعليه تركت الباب مفتوحاً لمزيد من الدراسة والبحث والتمحيص، ولكن للاسف بقيت تلك المعلومات اولية وشحيحة لحد الان، وهي بحاجة الى عقد مزيداً من الندوات لرسم صورة واضحة عن الموضوع، علماً بأن القناة (العراقية) الفضائية سبق وقدمت عدة حلقات حوله واستضافت مسؤولين حكوميين وغير الحكوميين من بروكسل للاستئناس بارائهم والاستفادة من تجربتهم الناجحة، ولكن لم تلق هذه التجربة ايضاً اهتمام السياسيين العراقيين.

من جانبي مازلت اعتقد جازماً بان (نموذج بروكسل) سيكون الخيار المرجح على خيار الخوص في حرب اهلية واقليمية، وعليه ادعو بهذه الاسطر اطراف الصراع والكتل السياسية كافة والمعنيين والمهتمين الحريصين على امن واستقرار البلاد، الاهتمام بهذا الحل بدلا من الانغلاق على الحلول المطروحة التي سيثبت عقمها إن عاجلاً او اجلاً.

عزيز قادر الصمانجي