قالت جولدة مئير رئيسة وزراء اسرائيل الراحلة عندما أُحرق المسجد الأقصى في 21 آب 1969 أنها تلك الليلة كانت أطول ليالي حياتها، حيث لم تنم تلك الليلة خوفاً من هجوم عربي اسلامي كاسح سيهدد وجود الدولة العبرية كرد فعل على احراق المسجد الأقصى.


ونحن نقول بأن الله سبحانه وتعالى لو كتب لجولدة مئير أن تعيش حتى أيامنا هذه لما رفّ لها جفن على ما يجري في المسجد الأقصى المبارك، فالوضع العربي وصل إلى درجة من التردي والهوان، بحيث أنه لم يعد يملك حق الاستنكار للجرائم التي تحدث في فلسطين والعراق، وان استنكر بعض من المسؤولين الرسميين فإنه يستنكر على استحياء خوفاً من أن يسمعه أحد، وبالتالي يفسر استنكاره بأنه خروج على بيت الطاعة الأمريكي، والوضع الفلسطيني الداخلي لم يعد يسر صديقاً، فالفلتان الأمني على أشده، والصراع على سلطة تحت الاحتلال لا تملك من مقومات السلطة إلاّ الاسم بات على أشده، والاقتتال الداخلي أظهر المشاركون فيه شراسة لم يعهدها أحد فيهم في المعارك الحقيقية التي شاركوا فيها. وبالتالي فإن حسابات اسرائيل والمشروع الصهيوني طويل المدى ترى أن الفرصة مناسبة لجسّ نبض ردود الأفعال على ما يخططونه لهدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل المزعوم مكانه، فالوضع الفلسطيني الداخلي لم يعد كما كان عليه عندما اقتحم أرئيل شارون المسجد الأقصى في 28 أيلول عام 2000 والقادة الاسرائيليون يدخلون العواصم العربية ليروجوا سياستهم للقادة العرب، الذين يتوسطون لحلّ خلافات ما بين quot; الشقيقة quot; اسرائيل و quot; الجيران quot; الفلسطينيين. لذا فإن بناء كنيس يهودي كبير في رواق المسجد الأقصى، وهدم طريق باب المغاربة أحد الطرق الرئيسية المؤدية الى المسجد الأقصى والواقعة عند حائط البراق، الحائط الغربي للمسجد الأقصى هو المقدمة الثانية، بعد المقدمة الاولى المتمثلة في الحفريات التي تنخر أساسات المسجد، ولم يتبقَ إلاّ الشروع في هدم المسجد بشكل كامل وبناء الهيكل مكانه.


وبما أن جدار التوسع الاحتلالي الاسرائيلي قد عزل فلسطينيي الضفة الغربية وحرمهم من امكانية الوصول الى القدس الشريف، فلم يعد للمسجد من يرتاده إلاّ المقدسيون الفلسطينيون، وفلسطينيو داخل الخط الاخضر الذين تنادوا اليوم الأحد الرابع من شباط للتواجد في المسجد الحزين.


ومما لا شك فيه أن السياسة الاسرائيلية في مجملها، وفي ما يتعلق بالأقصى يتم التنسيق فيها مع الادارة الأمريكية، التي يؤمن المحافظون الجدد فبها برئاسة جورج بوش الابن بقيام مملكة اسرائيل بعد اعادة بناء الهيكل تمهيداً لنزول المسيح المنتظر.


غير أن ما يغيب عن فكر قادة اسرائيل وأمريكا، أو ما يغيبونه ولا يريدون سماعه هو أن المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ركن أساسي من أركان العقيدة الاسلامية، وبالتالي فإنه ملك للمسلمين جميعهم، وما الفلسطينيون إلا سدنه وخدم لهذا المسجد نيابة عن باقي المسلمين، وأن المسّ بالمسجد الأقصى هو مسّ بالعقيدة الاسلامية، واذا ما وصل جنون القوة والغطرسة والاستعلاء الى درجة المسّ بهذا المسجد، فإن ذلك سيكون بمثابة اشعال حرب دينية لن تقتصر على استنكارات بعض الزعماء العرب والمسلمين، ولا على المظاهرات التي سيشارك فيها ملايين المستضعفين من المسلمين في كافة أرجاء العالم، بل ستكون حرباً ضروساً سيعلم مشعلو النيران متى يبدأونها، لكن أحداً غير الله لن يعلم متى ستنتهي، وبالتأكيد فإنها ستحصد أرواح الملايين، وستكلف آلاف المليارات.
فهل سيعقل قادة اسرائيل هذه المرّة، وهل سيعقل الرئيس الأمريكي أيضاً مع أنه لم يكن عاقلاً طيلة فترة حكمه، أم أنه سيتحدى العالم أجمع كما تحداه عندما احتل العراق؟؟ وبالتالي يبتعدون عن المساس بهذا المسجد العظيم حقناً للدماء وحفاظاً على السلم العالمي؟؟ هذا ما نتمناه وان كانت الدلائل تشير الى عكس ذلك.

جميل السلحوت