في الأسبوع الماضي طالعتنا الصحف عن خبر مفاده أنه وأثناء حفل تخريج دفعة جديدة من مدرسة الشرطة في سكوتلاندياررفضت طالبة مسلمة، متخرجة، مصافحة السير حكمدار بوليس لندن أثناء توزيع الشهادات الرسمية. إلى هنا وقد يكون الموقف عادي جداً، وقد أعتدنا أن نراه في أكثر من مشهد. هذا على الرغم من الاختلاف الفقهي على الحكم الشرعي، كما هو معروف للعوام، إلا أن الطالبة الموقرة أقسمت أن تزيد الطينة بلة وأن تقابل ابتسامة الحكمدار وتجاهله للواقعة، بضربة أخرى قسمت ظهر البعير، رافضة التصوير معه وهي تتسلم شهادة التخرج، وهنا أستشاط الرجل غضباً سائلاً عن السبب، وإن كان هذا أيضاً ضد معتقداتها، فما كان من الطالبة النابغة إلا أن أجابت بأنها فقط تخشى أن تستغل صورتها مع الحكمدار quot; لأغراض دعائية quot;!!


قرأتُ الواقعة والرد الفطن أكثر من عشر مرات ولم أقدر أن أصل إلى تفسير لهذا التصرف الغريب. حسناً يا أخت مارجريت تاتشر، يا من تخشي أن تستغل صورتك مع عامة الشعب، دعينا نسأل إذن سؤالاً بسيطاً، لماذا لا تجلسي في بيتكِ حتى تكتفي شر الناس وتكفينا شرك؟؟


تلك الطالبة التي قررت أن تتحفنا بفاصل جديد من المهازل التي تحدث بأيدي المسلمين في بلاد الغرب، لم تفكر ولو لوهلة عن الهدف من تلك التصرفات، وعما سيلحقها من ردود أفعال سلبية، وإن كانت فعلا تقدم صورة حسنة للغرب، أم أنها تسييء لدينها، ولصدق إنتمائها لوطنها؟ وكأننا في حاجة إلى المزيد من المشاهد السلبية لتضاف إلى مسلسل السخف الذي نعيشه، وكأننا في حاجة إلى مزيد من التشويه، وكأنه تنقصنا مصائب على مصائبنا التي نعاني منها في بلاد الغربة.


يأتي هذا بعد شهر بالتمام والكمال على تصريحات المفتي الأسترالي البطل والتي شبه فيها أجساد النساء باللحم المكشوف الذي يتهافت عليه القطط. تلك التصريحات التي جائت على لسان رجل عاش في الغربة عشرات السنين، وقرر اليوم أن يتكلم. و قد أحسن إختيار الوقت المناسب والأسلوب الفريد كي ليدعوا نساء الغرب أن يراعين الله ويحتشمن.


تصريحات المفتي العظيمة، كانت جارحة لأناس كثيرون يعيشون في مجتمع يختلف عقائدياً، لهم مبادئهم وثقافاتهم. تلك التصريحات لم تضر إلا بالمسلمين هناك، وما كانت ردة الفعل إلا إدانة صارخة وإستهجان لتلك الافكار المضحكة، من وجهة نظرهم، بل قرر إخواننا الأستراليين ما هو أدهى وأمر، تسيير مظاهرة حاشدة quot; ملطquot; أطلق عليها مظاهرة quot; البكينيquot;، وخطط لها أن تمر من أمام المسجد الذي ألقى من على منبره ذلك المفتي كلماته الرنانة، تنديداً بإهانته إليهم، وليكن عبرة لمن لا يعتبر.


المفتي اليوم يعتذر ويقول أنه قد أُسيء فهمه، والأستراليون غاضبون من ذلك الإسلام، دين تقطيع الرؤوس الذي يسمعون عنه كل يوم ويرونه في مشاهد متلفزة، والذي لا يعرفون عنه إلا تلك الصورة الدموية.
ماذا أستفدنا من عدم مصافحة طالبة بريطانية لقائدها أثناء حفلة تخرجها، ورفضها التصوير معه بلا سبب؟؟ مخالفةً بذلك كل الأعراف والتقاليد الأكاديمية. ماذا قدم لنا المفتي الأسترالي عن لحم الأستراليات العاري، وبماذا أفاد القطط؟؟ ماذا قدمنا للإسلام غير مزيد من الإهانة والتشويه؟؟!!


لم يُسلم الغرب، ولم تساعد تلك التصرفات في تغيير راي طفل عن الاسلام، والحقيقة الأكثر مرارة أننا لا نتصرف بذكاء كي نغير تلك الصورة، وإن سأل أبطال هذه الأحداث أنفسهم كيف يمكن أن نغير، لما كانت تلك الأفعال لتصدر. لكن للأسف الشديد الكثير من التصرفات الفرديه تأتي بلا مسؤلية أو أدنى تفكير في الوسيلة المثالية للخطاب الموجه للغرب.


حكمدارية العاصمة والتي رفضت فيه الطالبة مصافحة السير، كانت قد خصصت ميزانية لتصميم أزياء خاصة للأقلية المسلمة تتناسب مع التقليد الإسلامي، يتكون من quot; طرحة quot; رأس سوداء وعليه quot; كابquot; مع الألوان التي تتانسق مع quot; اليوينيفورم الأنجليزيquot;، بالإضافة إلى تصميم قفازات تمنع من ملامسة جلد الرجال عند مصافحتهم. ترى أسيبقى ذلك الإعتبار موجوداً أم أننا بتلك التصرفات سنعطي الفرصة للمزيد من العنصرية ضدنا. اليوم تم الامر بإجراء تحقيق تعديل اللوائح في معاملة الأقليات الدينية والعرقية بسكتولنديار.


أما عن تصريحات الشيخ الأسترالي quot;صاحب القطط quot;، فلن تُخمد تلك الأصوات التي باتت تنادي بالحذر الشديد في التعامل مع المسلمين وتعطيل معاملات تجنيسهم في الدول الأوربية، بحجة أن إنتمائهم وولائهم ليس لتلك الأوطان التي جبرتهم ظروف القهر السياسية أو الاقتصادية إلى الهجرة إليها. تلك الأصوات تعلو أكثر اليوم إلى حد الصراخ في فرنسا وهولندا محذرةً من ذلك المد الخطير.


نحن شعوب كسولة، ترفض أن ترى الصورة بكل زواياها، لا تريد أن تفهم، وكل ما نبرع فيه هو الصراخ والتلويح بالعصا. ننسى دوماً أن للأقناع وسائله وأن الآخر يختلف عنا تمام الأختلاف، وأن الظرف يحكم طريقة الخطاب.


في وقت نحاسب الغرب على عدم إحترامهم لمعتقداتنا في عقر دارهم، نتجاهل أن لهم علينا حقوق المواطنة التي يجب أن نوفيها. وأن للنصح أدواته ولغته.
لكن يبقى أعداء الدين الحقيقين هم من يساعدون على تشويه الدين في الغرب ويجعلون من غربة المهاجرين إليه، ألف غربة. هؤلاء هم أعداء الدين الحقيقين.


أيها السذج،فلترحلوا إلى حيث أتيتم وتكفونا شركم، أو فلتتعلموا معنى المواطنة المثلى حقاً.

ثامر عدنان شاكر