هالة شو، ظهرَت فيه بناتٌ، من شوارعِ الليلِ أو من غيرِها، ضجةٌ هائلةٌ، اِنكشفَ المجتمعُ، تعري، بناتُه، أسرُه، أمنُه، أخلاقياتُه. كارثةٌ، فضيحةٌ، اختلطَ الحقُ بالباطلِ، الوهمُ بالواقعِ، هل هي فعلاً حقيقةٌ في المجتمعِ؟ أم أنها فبركةٌ في مجتمعٍ طاهرٍ؟ الخيارُ الثاني أسهلُ، مؤامرةٌ لتشويهِ الصورةِ النقيةِ، لواقعٍ يتفقُ ظاهرُه مع باطنِه. لستُ مع هالة ولا ضدَها، ولم أكن يوماً من المعجبين ببرامجِها لما كنت أجده فيها من اِفتعالٍ، واجبي أن أجعلُ من رأيي كلمةً من صفحاتٍ كُتبِت، ليتها تكون مضيئةً.


خلطُ الأوراقِِ آفةُ مجتمعِنا، تناولُ موضوعٍ قناعٌ غالباً ما يخفي واقعاً قاتماً وأهدافاً تغلُبُ عليها الملاوعةُ، فيه كلامٌ ظاهرُه حلو، كم بغبغَ السياسيون عن الحريةِ والديمقراطيةِ وحكمِ الشعوبِ، أزلوها واحتقروها ونهبوها وسلبوها وأفقروها، ما أكثرَ العظاتِ عن الفضيلةِ والأخلاقِ لسرقةِ الغلابةِ ونهبِ أموالِهم، يالطولِ الخُطبِ عن الجنةِ الموعودةِ وما أفظعَ ما أوردَت بكلِ الغدرِ من قتلي.


هالة سرحان صورةٌ للمرأةِ الجريئةِ، غيرُ مطلوبةٍ في مجتمعٍ لا يري للمرأةِ إلا الاِنغلاقَ، الانفراجُ للرجلِ وحدِه، له كلُ الخياراتِ، عليها كلُ الطاعةِ والانقيادِ، بلا فكرِ. كثرةُ أعدائها جعلت من حلقةِ بناتِ الليلِ فرصةً للهجومِ عليها، بناتُ الليلِ ليست همَهم، ولا سمعةَ مصرَ، إنها المرأةُ الجريئةُ التي تمثلُها هالة سرحان. نفسُ الموقفِ تعرضَ له وزيرُ الثقافةِ، نِطقةٌ من لسانِه تحولَت إلي معركةٍ ضروسٍ، فيها الشتائمُ والسبابُ ومسوحُ الفضيلةِ.


ما سبقَ ليس السيناريو الوحيدَ للتعرضِ لهالة سرحان، هناك آخرٌ، لقد أظهرت الحلقاتُ ما يُتصورُ خبايا مجتمعٍ، يلبسُ الفضيلةَ بالنهارِ ويخلعُها بالليلِ، من اِفتُرِض فيهم محاربةُ البغاءِ هم حراسُه، منه يرتزقون. من الضروري إذن إسكاتُها، لابد أن تسيرَ الأمورُ في خفاءٍ اعتادته. مجتمعاتٌ لا شفافيةَ فيها، تغنيها بأحلى من الشرف مفيش يا آه يا آه يغني أحياناً كثيرةً عن الشرفِ ذاتِه، كبناتِ الليلِ، نظريةُ المؤامرةِ واللعبُ في الخفاءِ هي سيدُ الموقفِ، النشاطُ كلُه في الظلامِ. من تربصَ بهالة سرحان؟ هل فعلاً أخطأت؟ هل وجدوها كلُهم فرصةً للتخلصِ منها؟ هل وُضِعت في موقفٍ عاني منه وزيرُ الثقافةِ، وقفوا جميعاً ضدَه، زايدوا عليه، ثم انكشفوا وتراجعوا وانكتموا.


الإعلامُ كشفٌ أمينٌ لما خَفي، كم أظهرَ ما أنقذَ مجتمعاتِ حرةً، أسقطَ نيكسون وفضحَ كلينتون في قمةِ سلطتِهما، لم يهرب منه رئيسُ دولةِ إسرائيلِ، لم يُحاكَمَ الإعلاميون أو يُنكلَ بهِم. الصحفُ والفضائياتُ الأجنبيةُ تفضحُ مجتمعاتِنا بأضعافِ ما نُسِبَ لحلقاتِ بناتِ الليلِ، هل سيحاسبونها؟ هل يستطيعون؟ لا داعي لإجابةٍ شديدةِ الوضوحِ، ببساطةِ إنها الازدواجيةُ وإخفاءُ الرؤوسِ في الرمالِ. الأصلُ في الإعلامِ الجَرأةُ والصراحةُ والمصداقيةُ، في منطقتِنا التعيسةِ أي من هذه الأساسياتِ تقودُ إلي النسفِ والتشهيرِ والحبسِ، إلي التهلكةِ باقتدارِ متميزٍ، لا بديلَ إذن عن المهادنةِ والنفاقِ وقصرِ النظرِ والسطحيةِ والتفاهةِ.

فارقٌ هائلٌ شاسعٌ بين مجتمعاتٍ فيها كلُ المثالبِ تحت عباءات الفضيلةِ القاتمةِ ومجتمعاتٍ فيها خطايا لا تتهربَ منها وبشجاعةٍ تعترفُ بها. هوةٌ سحيقةٌ بين الخداعِ وما عداه. كلُ مجتمعٍ فيه عيوبُه، من الضلالِ إخفاؤها، تصورُ عدمِ وجودِها، اليومَ هالة سرحان وأمسِ غيرُها وغداً أيضاً، التهجمُ واحدُ، كذلك خلطُ الأوراقِ وإلباسُ الباطلِ كلَ حقٍ.


ليست هالة سرحان، إنها مجتمعاتٌ بلا هويةٍ حقيقيةٍ، تَهِزُها شعرةٌ، تُفقدُها صوابَها، مجتمعاتٌ بلا خطيئةٍ؛ اِرموا هالة من أعلي جبلٍ، من أعلي برجِ الإرسالِ،،

ا.د. حسام محمود أحمد فهمي