حول استهداف العلماء والتعليم في العراق: العراق يمرض ولا يموت
لا نشك بأن هناك أعداء معروفون وتقليديون للعراق على مستوى دول، لا يودون لهذا البلد أن ينهض، وإنه من العقل أن نكون حذرين تجاه ما يمكن أن نتوقعه منهم، ولكن بنفس الوقت فان من العقل أن لا ندس رؤوسنا في التراب مثل النعام هاربين من الحقيقة الماثلة أمام أعيننا.
ولكن ماذا يقول أولائك الذين أسهبوا وأطنبوا كثيرا في تشخيص عملية استهداف العلماء العراقيين، وأرجعوها ويرجعوها دائما إلى جهات (خارجية)، على أنها quot;مؤامرة تستهدف العقول العراقية ولا تريد لهذا البلد أن ينهض ويتقدمquot;، كيف لا وبالتعليم تنهض وتتقدم الأمم.؟؟ ماذا يقولون عن عملية استهداف طلبة كلية الإدارة والاقتصاد بالجامعة المستنصرية نهار أمس بعملية انتحارية، والعملية التي سبقتها أمام حرم الجامعة، والتي راح ضحيتها العشرات من الطلبة والأساتذة؟ ليس لهؤلاء ذنب أو هوية سوى إنهم عراقيون ومن فئة العلم وطلبته.
أن هناك من يغمضون أعينهم دائما عن الحقيقة الساطعة التي مفادها إن هذا العدو، قد دخل بيتنا فعلا ولعب بعقول البعض من شبابنا الذي انجرف نحو هاوية التطرف والظلامية. وان هذا العدو الظلامي القادم من الخارج ما هو إلا من بيت عمومتنا (الإسلامي- العربي)، والذي يعتقد quot;بان التعليم مفسدة، وخاصة تعليم البنات فإنه أم المفاسد والخبائثquot;، ولهذا فهم استهدفوا ويستهدفون المؤسسات التعليمية في أي بقعة من أرض العراق تطالها أياديهم القذرة.
اسألوا أهل الرمادي وهيت ومدن الأنبار الأخرى، كيف أغلقت مدارس البنات وحرمت الفتيات من النور- العلم، حيث quot;العلم نور والجهل ظلامquot;. وكيف حوصرت جامعة الأنبار وعذب عدد من أساتذتها وتم إهانة وحلق رؤوس بعضهم، وكيف أحرقت بعض وسائط النقل التابعة للجامعة وبعض المعاهد في المحافظة. إن أكاديميي الأنبار اليوم في عزلة تكاد تكون تامة عن العالم وعن محيطهم الاجتماعي طالما اختلفوا ورفضوا التبعية والولاء لهذه العصابات الظلامية. وكذلك الحال في بعض مدن محافظتي صلاح الدين وديالى وحال جامعاتهما التي فقدت العديد من العلماء والكفاءات والطلبة، ناهيك عن جامعات بغداد التي يحاولون إخضاعها لنفس المخطط الإجرامي المكشوف.
إن استهداف الجامعة المستنصرية وبهذه الطريقة قد تم للمرة الثانية وقد سبقتها محاولات أخرى كثيرة، وكل هذه المحاولات غرضها وقف العملية التعليمية انطلاقا من هذه الأفكار السوداوية وهذه الايدولوجيا quot;الطلبانيةquot; التي طبق نموذجها في (إمارة أفغانستان- طلبان)، أيام مجدهم المباد. يريدون تصديرها إلى العراق ويجاهدون من أجلها. وللأسف أن يتم تجاهل هذه الحقيقة والتعامي عنها من قبل بعض دعاة الحرص على العراق، وتلقى الدعم في الخفاء من الصداميين في الداخل والخارج، وفقا لنظرية وشعار quot;لا عراق بدون صدامquot; التي كان يرفعها ويطبقها ويبني لمستقبلها صدام نفسه.
يا ترى هل أثار هذا الحدث الآثم الذي استهدف الطلبة أولائك الذين (يهمهم) الشأن العراقي، سواء من العراقيين أو العرب، خاصة المعارضين للتغيرات السياسية في العراق اليوم، وبغض النظر عن معارضة الاحتلال التي نؤمن بأن لا أحد من العراقيين أو محبيه يحبذونه ويرحبون به.
ترى هل هزهم هذا الحدث الذي أودى بحياة شباب بعمر الزهور لا ناقة لهم ولا جمل في الموضوع سوى أنهم عراقيون وطلبة، وبالمقابل أن هناك بهيمة مفخخة تريد أن تصعد إلى علياء السماء؟؟؟hellip; ترى هل تحركت ضمائر من ينتشون شماتة كلما سمعوا بخبر سقوط أكبر عدد من الضحايا، وكلما شموا راحة الدم العراقي البرئ يهرق؟؟
لقد جند الجبناء هذه المرة إحدى النسوة البائسات، مثلما حدث في عملية تجنيد المسكينة quot;ساجدة الريشاويquot; التي كادت تفجر نفسها في مدنيين أبرياء في الأردن، تطبيقا لنهج quot; تكفير المجتمعquot;. جندوها لتفجر جسدها في صفوف أبناء جلدتها، فهل كانت تعي حقا أن هؤلاء أعداء يستحقون الموت؟؟
هؤلاء هم لب المؤامرة وعقلها وأداتها التي تستهدف العراق وتريد تفريغه من علمائه وتوقف عجلة الحياة فيه. ولذا لا حاجة لأمريكا وإسرائيل وإيران وغيرهم من الأعداء الحقيقيين والمزعومين أن يكلفوا أنفسهم بإنجاز هذه المهمة أو حتى التفكير بها.
إلى هؤلاء أوجه رسالتي كعراقي مستقل لا انتمي إلا إلى العراق، دينا ومذهبا وعرقا، أضبط انتمائي ضمن معايير العلم والإنسانية المتعارف عليها، بأن العراق سينتصر وأنهم سيندحرون. ستنتصر إرادة هذا البلد العظيم مهما يصيبه.إنهم جراثيم زائلة بمناعة الجسد العراقي. فالعراق يمرض ولا يموت.
د. حميد الهاشمي
www.al-hashimi.blog.com
التعليقات