تشهد إيران، راهناً، إضطرابات حدودية واضحة من قبل الكرد، العرب، البلوش و الآذريين. و يبقى السؤال هنا: هل لهذه الإضطرابات أية علاقة مع التصعيد الجاري فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني؟ أم أن الظروف الدولية و الإقليمية التي افرزتها تداعيات تدهور الحالة الأمنية و السياسية في العراق هي التي منحت الفرصة لملفات إيران القومية بالنهوض مع إحتمال التصعيد الى درجة حرق الفسيفساء القومي الإيراني بأكمله فيما لو أخذنا الإتهامات الموجهة لإيران بالتدخل في الشأن العراقي بعين النظر.
لا شك في أن موقف بعض الحكومات الأوروبية المتحفظة على فكرة laquo; التصعيدraquo; مع إيران، وصولاً في نهاية المطاف الى حشد تحالف دولي من أجل إعلان الحرب عليها، بهدف تدمير محطاتها للطاقة النووية و إضعاف قدراتها العسكرية، كان سبباً أساسياً، للحديث عن سيناريوهات أخرى، للوصول الى نفس الهدف. و إذا كان التعامل مع إيران بالطريقة العراقية، لا تلق الإستحسان من قبل الأوروبيين فقط، و إنما تتعدى الى أبعد من ذلك، لتصل الى داخل الإدارة الأمريكية نفسها عموماً و قادة الجيش الأمريكي على وجه الخصوص، فإن ربط ما يحدث اليوم في إيران من إضطرابات، تشعل نارها حركات قومية معروفة، بطموحاتها الجامحة صوب الإستقلال و الإنفصال، بإحدى تلك السيناريوهات المسربة لوسائل الإعلام، و التي تصل أصداها الى القيادة الدينية في طهران، يبقى من الخيارات الواقعية، و الممكن تطبيقها في المثال الإيراني.
فكما نجحت الفلسفة القديمة/ الجديدة الإيرانية في تأليب الطوائف الشيعية المنتشرة في كل من العراق و لبنان و اليمن و باكستان و بعض مناطق الخليج على مراكز هذه الدول، حتى أضحت دولاً داخل دول، تأتمر بأمرها، و تنفذ ما يحقق مصالحها، بخلاف مصالح هذه الدول و شعوبها، فإن باستطاعة الولايات المتحدة الأمريكية أن تنتهج نفس السياسة و أن تتبع الفلسفة الإيرانية نفسها في التعامل مع سلطة الملالي في طهران. فإيران أولا و أخيراً دولة متعددة الأقوام و الملل، يعيش فيه مسلمون من كل الطوائف، إلا ان الشيعة المؤمنون بالمشروع القومي ndash; الشيعي ndash; الفارسي هم الذين يحظون بالحظوة اللائقة، و يتمتعون بالمناصب الحساسة، و يسيطرون على كل مفاصل و مراكز السلطة الثيوقراطية في الدولة. فالكرد، على سبيل المثال، يبلغ تعدادهم في أيران ما يقارب 8 ملايين، و علاوة على أصلهم القومي المتميز، وتواجدهم التاريخي المثبت في غرب إيران ( كردستان )، فهم مسلمون سنة، و يتعرضون نتيجة لهاتين الصفتين الى معاملة قاسية، تمثلت في ضرب كل حركاتهم القومية و عصياناتهم و ثوراتهم الشعبية بوحشية قل نظيرها. و ما حدث للكرد، حدث لأقرانهم من القوميات الأخرى كالبلوش و العرب السنيين. و بالرغم من ان الأذريين هم في أغلبهم مسلمون شيعة، إلا أنهم وجدوا أنفسهم على إمتداد التاريخ خارج الهوس الفارسي ndash; الشيعي و مخططاته الإمبراطورية.
لهذا يدرك الساسة الإيرانيون حجم الكارثة التي سوف تترتب عن تحريك هذه المركبات القومية للدولة الإيرانية على إستقرار البلاد و مستقبل طموحاتها الإمبراطورية، فيما لو أستقرت الإدارة الأمريكية على إتباع تكتيك إضعاف إيران من داخلها، كإستراتيجية لتحجيمها و ردعها، وصولاً الى إضعافها من أجل بلوغ إحتياطيها الهائل من النفط و الغاز.
و كغيرها من الأنظمة الإستبدادية، تتصدر قضية الحفاظ على هدوء الجبهة الداخلية في إيران لصالح بقاء النظام القائم سلم الأولويات، إن لم يكن أهمها. لهذا كانت تصريحات القادة الإيرانيين على الإضرابات الأخيرة و المستمرة الى حد الآن، تتسم بالتوتر و عدم الإتزان، و تنم عن الشعور بالخطر على الدولة، من دون أن تبخل في إتهام الأمريكان بالتدخل في هذا الأمر.
لا شك في أن المرحلة القادمة سوف تشهد تصعيداً متزايداً، اكثر خطورة من قبل. و لعل العنوان الأبرز للمرحلة القادمة يتمثل في حشد كلا الطرفين لما في جعبتهما من أوراق لممارسة ضغوط من طبيعة خاصة للحصول على بعض التنازلات. إيران سوف تحاول، الى حين، الإستمرار في دعم جيوبها في الشرق الأوسط للتأكيد على دورها الإقليمي الغير قابل للتجاوز أو التجاهل من جهة، ومشروعية و احقية إمتلاكها للطاقة النووية من جهة أخرى، في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية بصدد ممارسة كل الوسائل و البحث في كل الخيارات التي من شأنها ثني إيران عن الإستمرار في مشروعها النووي و و حجم طاقاتها و دورها الدولي و الإقليمي. و يبدو ان أهم الخيارات الواقعية و الممكن تنفيذها هي تفكيك إيران من داخلها، من دون أن تكلف أمريكا المال الكثير و الجهد الكبير.

زيور العمر
5/3/2007