يحلّ الثاني عشر من آذار بعد انتظار، ليذكّرنا بالشهادة النبيلة التي احتضنت كوكبة من شبابنا ضحت بأعز ما يمتلكه الإنسان إنتظاراً لربيع لم يأتِ بعد. كوكبة خيّرة عبّرت بإباء وشموخ عن الإعتزاز بالإنتماء وقدسية الكرامة، وجسّدت التوق إلى الإنتعاق والحرية. كوكبة وضّاءة، كانت تدرك أن الموازين مختلّة، وتعي حصيلة المواجهة مسبقاً، لكنها لم تلذ بالهوان، بل آلت على نفسها الثبات في وجه الطغيان، وصمّمت على تحدّي اللؤم ومقابلة الرصاص بالكلمة والإبتسامة والتطلعات الربيعية، وذلك من أجل أن يستلهم الأحفاد الدرس البليغ، ويتعمّق تشبثهم بقضيتهم، وتشتد عزيمتهم في ميدان العمل لرفع الحيف، وانتزاع الحقوق المستباحة.
كوكبة لم تتمكّن منها جهود الترويض، ولم يعرف الخوف سبيلاً إلى دواخلها؛ بل اندفعت مؤمنة بعدالة قضيتها، مستنكرة أحابيل التسويف والبعثرة. عمّدت الوحدة الكردية بدمائها الذكية على أمل أن يأتي الأشقاء، ليبنوا متابعين، وذلك منعاً لهدر الدماء ببخسٍ لا يُذكر. كانت العيون النورانية تغازل الوطن وهي ثملى بلحظات الوداع الأبدي. لم يدر في خلد أصحباها ابداً أن الكرد سيختلفون على الزمان والمكان لإحياء ذكراهم. ولم يتخيّلوا قط أنه سيتنطع أحدهم لإطلاق تسميات غريبة عجيبة ما أنزل الله بها من سلطان على فعل مقدّس وفق كل المقاييس. ضحّوا بسخاء، وغادروا من دون أي توسل لبلوغ جاه شخصي، أو مجد حزبي - عشائري. كيف لا وكل الأمجاد الزائفة تتقزّم أمام عظمتهم التي يدرك كنهها أولئك الذين عشقوا الوطن، وبات هذا الأخير جزءاً من كيانهم؛ يمثل الشرف الحقيقي، لا ذاك الذي نتبجح به، ونحمّل المرأة الكردية - أم الرجال وأخت الرجال وأثيرة الرجال- وزر حمايته والمحافظة عليه.
إذا كان لنا أن نتمثّل قيم الثاني عشر من آذار، ونثأر لأبطالنا، فعلينا أن نتحرر من عقد الحسد والحقد، عقد الأنانية وأوهام العظمة بأسمائها وأشكالها ومستوياتها كافة. علينا أن نقطع مع سياسة الترويض، والتدجين، واللهاث يميناً ويساراً، بحثاً عن الصفقات الشخصية الآنية؛ أو امتثالاً لوعودٍ منحها بعضهم في ساعة ضعف.
لقد جاد شعبنا بالعطاءات، ولم يبخل حتى بالروح الأغلى لدى أي كان؛ ومن حقه على المتحدثين باسمه أن يطالبهم بالسمو إلى مستوى المنشود، وإلا فالتاريخ لايرحم كما يُقال؛ ومن لديه النقيض فليتقدّم به، أو ليتأمل في سجلات الأسلاف.
إنها ساعة الصفاء مع الذات، بغية التمعن في دلالات انتفاضة الثاني عشر من آذار المجيدة، وهي الإنتفاضة التي أثبتت للقاصي والداني وجود مسألة كردية في سورية، لم يعد تجاهلها ممكناً، وكل سكوت أو تقاعس بشأنها، إنما هو تمكين القتلة للتنصّل، أو ربما الإقدام على جولة غدرٍ أخرى
التعليقات