لا يتوهم القاريء الكريم أنني أقصد بـ( الصحافيون) في عنوان المقال، زملاء المهنة ممن يمارسون العمل الصحفي، بل أقصد المتشبهون بالسيء الصيت محمد سعيد الصحاف نافخ البوق الإعلامي الصدامي، وصديق ( العلوج) الأمريكان الذي نجا من دون جميع مسؤولي النظام السابق بعد سقوط بغداد لطرائفه ونكته العديدة التي بددت أوجاع الحرب الثالثة على العراق.


فكلنا نتذكر الكذبات ( البيضاء) لهذا البوقجي من خلال تصريحاته الإعلامية عند دخول القوات الأمريكية الى بغداد، ووصول دبابات الإحتلال الى قرب جسر ( الأحرار)!!، حيث يدعي أن جيش العلوج الأمريكان فر معظمهم من ساحة المعركة وعادوا الى ولاياتهم المتحدة، ومن بقي منهم فقد قضى عليه فرسان الحرس الجمهوري الصدامي، وأنه لا صحة لأخبار الفضائيات الأمريكية بعبور الدبابات جسور بغداد التي ما زالت صامدة تعتز بعروبتها رافعة راية الوحدة والحرية الإشتراكية خفاقة بشموخ وكبرياء؟؟!!..
ولم ننس صحف ( الصحاف) وهي تعزف كل يوم سمفونية ( الإنجازات الكبيرة والعظيمة لباني مجد العراق السيد رئيس صدام حسين حفظه الله ورعاه) والجنة التي أعده السيد الرئيس لشعبه وهم يتنعمون برغد العيش ووفرة الغذاء والدواء في زمن الحصار الجائر؟!!.


بهذه الأكاذيب والأراجيف كان الصحاف وزير الإعلام، والوزير بمثابة مستشار الحاكم، يصور أوضاع العراق وشعبه المقهور لسيده ويطمئنه كل صباح بجرائده ( أن دار السيد مأمونة) فالنظام مستقر، والنفوس راضية مرضية، والكل يدعو الله بطول العمر لباني مجد الأمة ؟!.
ويكثر اليوم تلامذة الصحاف في عراق ما بعد موت صدام، سواء في العراق أو في كردستان..هم من نفس الطينة، يزينون ويزركشون ويجملون الوقائع ويصورون الأمور لسادتهم وكأن البلد ماشي عال العال وعلى 24 قيراط؟؟!!..
هؤلاء هم آفة المجتمعات منذ نشأت على وجه البسيطة أول دولة أو نظام حكم، سواء كان فرعونيا أوآشوريا،أو إسلاميا،أو إحتلاليا..
هم نفس الوجوه تتكرر في كل زمان ومكان.. تختلف الألسنة، ولكن النفوس الوظيعة والمريضة واحدة، والأساليب هي هي ذاتها..
يهمسون بأذن الحكام الطغاة معسول الكلام، وينقلون لهم صورة الواقع على غير الحال!.
يعزلون الحكام عن الناس، ويمنعون وصول أصواتهم الى أسماع السلطان!.
هم مستشارو الحاكم أو الرئيس أو الأمير أو المحافظ أو مدير العام، أو مدراء إعلامهم ( الأبواق الدعائية للمسؤول ) خصوصا في الدول المستبدة التي يطغى فيها الحكام كبيرهم وصغيرهم من دون إستثناء!.


هم طفيليات تتكاثر كلما أمعن الحكام في الإستبداد والطغيان.
هم هم في كل زمان ومكان، كلامهم معسول ومزدان، سواء تكلموا بالآرامية أو السريانية أو الفرعونية أو العربية الفصحى وإزدانوها بأبيات من الشعر،أو تحدثوا باللهجة البغدادية أو الجنوبية أو الكردية السورانية أو البهدينانية!..


هم حاشية السلطان والرئيس والوزير والوكيل والمدير العام..
يزينون بكاء الثكالى والأرامل كدموع فرح بالسلطان، ويصورون صرخات الجوعى والمحرومين هتافا بحياة الحاكم الجبار!.
منافقون، كذابون، مفترون،مشاغبون،مفسدون،سارقو الأقوات من أفواه الناس، مستولون على خيرات البلد..


يحصلون على أكبر الإمتيازات والهدايا والخلع السلطانية، وتقطع لهم الأمصار وتخصص لهم ولأقربائهم وأبناء عشيرتهم قطع الأراضي، ويعينون في أرفع المناصب، يلعبون بالأموال والرقاب جراء الكذب والدجل على الحاكم والسلطان على حساب الشعب الغلبان و المواطن الجوعان؟!.
إبحث في سجلات البلدية أو تسجيل العقارات ستكتشف كم من أقربائهم وزوجاتهم وأبنائهم قد حصلوا على قطع الأراضي أو إشتروا العقارات، وكلها مسجلة بأسماء وهمية مزيفة، في حين لا يملك نصف سكان البلد ما يقيهم برد الشتاء أو حر الصيف اللاهب اللهاب!.


في أول عهده بخدمة الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز أراد مزاحم الخادم ( السكرتير الشخصي) للخليفة أن يزاحم أحد المقربين من الخليفة واشيا، فإهتاج سليل العدل وأخرس لسانه،بالقول البليغquot; يا مزاحم لا ينال لسانك من أحد أمامي، فما أفسد الخلفاء إلا حاشية السوء، ولا أريدك يا مزاحم أن تكون منهمquot;.فلم يكررها مزاحم ليزاحم بها الآخرين من المقربين الى الخليفة العادل الذي عانى كثيرا حتى إختار مستشاريه وعماله..


وكان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ( رض) أراد أن يعين يوما في الشهر ليجتمع بعماله في مقر الخلافة يبحث معهم أحوال الرعية، لأنه بعبقريته الفذة وخوفه من يوم الحساب العسيرالذي يسأل فيه كل الناس عن موازينهم، لم يثق بأحد منهم أو يأمنهم على رعيته، رغم أن أكثرهم كانوا مثله من أصحاب الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، فأين حثالات اليوم من عمال إبن الخطاب؟؟!!.


أتحدى أي مستشار أو مدير الإعلام في يومنا هذا أن ينقل بصدق ما يعانيه الشعب الى السيد الحاكم أو الرئيس؟!.


وأتحدى أي حاكم من حكام هذا العصر أن يعرف من عليائه ما يجري في القاع، وما يعانيه شعبه ومواطنوه من الكبت والحرمان والجوع !.فهؤلاء من قال فيهم الباريء عز شأنه (صم بكم عمي فهم لا يعقلون)، و..

إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ..

شيرزاد شيخاني

[email protected]