المادة الثانية من الدستور المصري عبارة عن نص دستوري يتضمن إشارات وتوصيات تكرس العنصرية والتمييز بين مواطني مصر، فهي نص صريح يوصي بتخليق كيان عنصري ديني يعمق الشرخ الطائفي المتعاظم حالياً على أرض الواقع داخل الكيان المصري. خاصة بين الأقباط كأقلية عددية والمسلمين كأكثرية عددية.

المادة الثانية من الدستور المصري تستند بالحتمية على مرجعيات من الثوابت الدينية الدائرة في فلك النص المقدس في مفهومه المطلق، وهو ما قد يقود الحراك الجمعي المصري في رهانه وتقنينه للمشروع الديني بثوابته كمبدأ أساسي للتشريع يقوده بالضرورة إلى حتمية الصدام مع آليات عمل الظرف التاريخي المعاصر... المتحرك بدالة متغيرة، هذا الظرف التاريخي حامل مخاض تحولات التجارب الإنسانية في المواجهة مع الذات وجرأة إعادة قراءة الموروث قراءة نقدية واعية تحليلية.


نحن مطالبون بالتحرر من أصفاد وقيود ما يسمى بالثوابت. فنحن نعاصر ظرف تاريخي حرج يتطلب بإلحاح من المشَّرع الدستوري أن يدرك أن هناك حاجة ملحة لحذف النصوص التي تشرع وتقنن التمييز بين المواطنين على مرجعية دينية، المستندة بالحتمية على نصوص دينية صريحة ثابتة مطلقة بحكم قدسيتها تعرقل بالضرورة الحراك السياسي والاجتماعي السليم لكل مكونات الأمة المصرية في سياق يعتمد أساساً على التغيير والتقويم طبقاً لمتطلبات الحاجة والمصلحة العامة. ولسنا بحاجة إلى سيناريو كارثي ليخرجنا من أجواء الإرث العثماني الذي مازال يغلف وجدان وفكر المشروع الديني المصري في حالة من حالات الحنين إلى مشروع الخلافة. وهناك محاولات للالتفاف على مشروع الدولة المدنية في مصر بمشروع آخر عبثي عنصري قد يقذف بمصر بعيداً عن حركة التطور الطبيعي للجماعات البشرية.
ونستطيع أن نقول للأسف أن هناك قناعات متجذرة داخل منظومة آليات التصور والخيال للتكوين العقلي والنفسي عند معظم أهل النخبة الفكرية المصرية، فهم رجال فكر تمردوا على عقولهم وسخًّروا منطقه للرهان على قيم سلفية لها طابع عنصري بالضرورة، هؤلاء المفكرون عندهم قناعات تعمل بأثر رجعي يعمل من خلال تردد قسري يعمل بصدى وأوهام إرث ميتافيزيقي راوح مكانه وتراجعت القيم الإنسانية فيه بفعل ديناميكية حركة التاريخ وانتصار وغلبة المنهج العقلي وشيوع الفكر النقدي التحليلي وقراءته قراءة عقلانية وإعادة بناءه على أسس عقلانية إنسانية متحررة من ديكتاتورية وهيستيريا رجال الدين المتمترسين بقناعة وراء ثقافة تحتية ضاربة في أعماق الوجدان المصري تحرك الجماهير المصرية حراك متواتر غير سوي ملئ بالإشارات والممارسات العنصرية.


هذه القناعات والممارسات تركت عند أقباط مصر تجارب تاريخية مريرة من القهر والاضطهاد والتمييز على مدى عصور طويلة عاشوا في مذلة ومهانة كأسرى حرب في عقر دارهم مصر!!؟. وصفحات التاريخ شاهدة على الاضطهاد الديني والمظالم التي أصابت أقباط مصر.


للأسف قد اختلت عندنا في مصر معايير القيم، فنحن نعيش بوجدان متواتر مشدود إلى قيم سلفية دينية لا تكل عن نشر ثقافة الإقصاء وتكفير الآخر. رجال هذا الفكر متأهبون دائماً للوثوب على السلطة، وهم متحفزين ومستعدين دائماً لتدمير هياكل مؤسسات الوطن المصري لصالح دولة الخلافة، متحركين بقيم من ماض آلياته ومعاييره جانبت حركة التطور وتحولات التاريخ.


وتنص المادة الثانية من الدستور المصري على أن الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسى للتشريع. هذا النص يضع مفهوم مدنية الدولة المصرية في دائرة من الإبهام، وهو اختزال وإلغاء وتهميش عبثي ساذج لنتاج تراكمي هائل لحضارة مصر... القيمة... والتاريخ. إن الإنسان المصري المعاصر هو نتاج تاريخ متراكم منذ آلاف السنين يشكل هويتنا الحالية.


والهوية المصرية ليست حكراً على جماعة أو دين بعينه بل هي هوية إنسانية متأثرة ومؤثرة بقيم حضارات متراكمة ومتفاعلة صنعت هوية الإنسان المصري المعاصر على مدى آلاف السنين.
والإصرار على إدراج المادة الثانية كما هي تعتبر انتكاسة خطيرة لمبدأ المواطنة ومشروع الدولة المدنية، وتقديم تنازلات غير مبررة لحساب جماعات مشروع الدولة الدينية، وإعطائهم محفزات و تواطؤ من قبل المشَّرع الدستوري، ورهان على مشروع ثيئوقراطي يتأهب للقضاء على الدولة المدنية وضرب قيم المواطنة. كما أنه عبث مقنن في شكل دستوري يضرب بشدة ركائز هيكلية بناء وطن يحاول الولوج إلى عالم معاصر بمفردات وقيم تفّعل ثقافة المساواة وحقوق المواطنة وهو إصرار غير مسؤول وغير واعي لتفريغ وتبديد شحنة المخزون القيمي والحضاري للتاريخ المصري بمعنى الوطن والإنسان بكل مخاضه.


إن إصرار المشَّرع الدستوري على تكريس المادة الثانية بالدستور المصري يعتبر إهانة بالغة لأقباط مصر كجماعة مصرية جذورها ضاربة في عمق أعماق التاريخ المصري حضوراً وعطاءاً.
إن المشهد الحالي للواقع المصري مسخن بجراح من التمييز وشيوع ثقافة التفرقة وإقصاء الآخر وغياب دولة القانون.

عادل جورجي
رئيس الهيئة القبطية الفرنسية
باريس