ربما اختارت الادارة الامريكية ومعها اطراف من المعارضة العراقية السابقة نظام المحاصصة منهجا واسلوبا في كل مرافق الحياة حتى بات يشمل ذلك ( قسمة الرؤوس ) من اركان النظام السابق وهكذا كان نصيب قضية الدجيل من تلك الرؤوس مايتناسب والثقل الذي يعتقد من كان في واجهتها انه يمثله على الساحة العراقية حتى ان الاسراع في تنفيذ احكام تلك القضية جاء ليؤكد ان المحاصصة لاتعني توزيع المناصب والحقائب الوزارية فقط بل يتعدى ذلك ليشمل جميع الغنائم الاخرى بما فيها الماضي برؤوسه وإرثه وقصوره، وهكذا بات من الواضح ان نصيب الشعب الكردي هو مجموعة اخرى من تلك الرؤوس بعد ان اصبحت قضية الانفال قاب قوسين او ادنى من النطق بالاحكام، ولاندري مَن ستختار الادارة الامريكية من تلك الرؤوس المتبقية ليكون من حصة ايران والكويت! كما ستكون تلك الادارة في مأزق حقا إن هي لم تعثر على رؤوس توازن فيها المعادلة وترضي الطرف السني ليتحقق عدل قانون المحاصصة حيث يبدو ان الطرف السني يطلب ويسدد على رؤوس من نوعية اخرى هي من مرحلة بعد سقوط التمثال.
ان تنفيذ حكم الاعدام برئيس النظام السابق، ومحكمة الانفال في منتصف الطريق، قد مثًل إحباطا جديدا لدى المواطن الكردي في مصداقية واحترام النخب السياسية العراقية،عندما تحين لها الفرصة، بالوفاء بالتزاماتها واحترامها لقضايا هذا الشعب فكان تنفيذ ذلك الاعدام وقضية الانفال في أوجها انتكاسة جديدة لذلك الشعور بالامل لدى القيادات الكردية و الشعب الكردي بالتحرر من عقدة النظرة الدونية التي ترسخت عبر تجارب وامثلة مريرة اعتادت فيها القيادات العراقية التعامل مع القيادات الكردية ومع قضايا الشعب الكردي كاوراق سياسية عابرة ترتفع وتنخفض قيمتها تبعا للظرف والمصالح، وهكذا وصل المواطن الكردي مرة اخرى الى ذات الشعور الذي تمنى مغادرته وساورته من جديد الشكوك في قرار اصحاب السلطة في بغداد باعتباره شريكا فعليا وحقيقيا في الوطن وليس غريبا فرضه الظرف والحاجة، خاصة وان قضية الانفال يتفق عليها الكثيرون في ان وصف جرائم الابادة الجماعية ينطبق عليها بشكل كبير مقارنة بقضية الدجيل، لكن تنفيذ قرار الاعدام ذلك قد حرم قضية الانفال من التغطية الاعلامية التي تستحقها حتى ان القناة الفضائية الكردستانية قد اصبحت بعد الاعدام ربما القناة الوحيدة والملاذ الامن للمتتبع لجلسات المحاكمة.
ان شريط محكمة الانفال اصبح قريبا من دوراته الاخيرة ويبدو ان احكاما جديدة بالاعدام سترى النور قريبا كجزء من الوفاء بحصة الشعب الكردي من رؤوس الماضي، ولان من بات جثة سياسية هامدة لايظيف اليه الموت الجسدي شيئا، بل تشير الوقائع الى ان الموت الجسدي عن طريق المقصلة يمكن ان يبعث بعض الروح السياسية فيها، كما ان الضحايا الاكراد ليسوا بحاجة الى رائحة الموت النتنة فهم يشعرون اليوم يقينا بالفخر والاعتزاز من تجربة تزدهر وتنمو وامال كبار اصبحت حقائق على الارض، ونفوسهم تنتعش وهي ترى مجتمعا تسمو فيه قيم المحبة والسلام والاخاء والتمدن وونبذ العنف. كل هذا يدفع الى الامل في ان الرئيس مسعود البارزاني وبالاستناد الى الخلفية والكاريزما التي يمثلها سيفجر قنبلة سياسية من نوع جديد ستكون درسا بليغا للجميع بالاعلان رسميا وباسم الشعب الكردي في الطلب الى رئاسة المحكمة ان تتجنب قرارات الاعدام، ليس تنازلا عن حقوق شعبه او نكرانا بالوفاء لدماء الضحايا بل انطلاقا وتأكيدا بمثال جديد للدور الذي تلعبه القيادة الكردية والشعب الكردي كصمام امان للعراق وتجسيدا لسياسة كان مسعود البارزاني الاب الروحي لها تتمثل في رفض ان يكون الماضي المؤلم عائقا امام الانطلاق لمستقبل جديد مشرق، فربما سيساعد ذلك من يحتاج المساعدة ويدفعه الى ضرورة التفكير واعادة النظر في مواقفه إن كان حقا ينوي بناء وطن من جديد. لاتوجد اية رابطة اطلاقا تربط بين كاتب هذه السطور وبين من يجلس في قفص الاتهام في قضية الانفال كما لايعني هذا البتة ان بين هؤلاء من ليست اياديه بيضاء من دماء ومأسي الاف الضحايا او من تورط في ذلك، مُكرها او منفذا مأمورا او مخيرا في لحظة انسانية قاتمة، ولكن السيد مسعود البارزاني هو نجل ذلك المقاتل الجبلي الذي كانت قيم وقواعد واداب مقارعة الخصوم حاضرة دائما لديه في احلك الظروف واصعبها، كما ان مسعود البارزاني هو حفيد ذلك البطل الايوبي الذي ادرك سر النصر على عدوه عندما ارسل له طبيبه لمعالجته، لان صلاح الدين كان يعلم يقينا بتلك الاية الجميلة من الكتاب التي تقول ( اذا جاع عدوك فأطعمه واذا عطش فإسقه، إن فعلت ذلك جمرة نار تُلقي على رأسه يقول الرب ). والسيد مسعود البارزاني هو ابن وقائد ذلك الشعب الكردي الاصيل الذي حبس انفاسه وسهر قبل اسابيع في شوارع اربيل وانفجر فرحا بتألق ونجاح العراقية شذى حسون.
كم نحن بحاجة في العراق الى ثقافة المحبة والسلام، كم اصبح العراقيون يتلوعون اشتياقا ليسمعوا بامان وإخاء وسلام صوت المؤذن يتناغم مع ضربات الناقوس، يا من يقود البلاد والعباد، أشيعوا فينا و فيكم ثقافة التصالح مع النفس والاخر، اربع اعوام ونحن نعيش العنف والعنف المقابل ونزرع البغض ونحصد الكره فاصبحت مدننا وشوارعنا وبيادرنا مغمورة بالدم و الموت. تعالوا جميعا نحب اعدائنا، نبارك لاعنينا، نحسن الى مبغضينا، نربح الشر بالخير، لاننتقم لانفسنا بل نترك ذلك لغضب الله.
اتمنى ان يجد المقال طريقه الى عنوانه الصحيح ولا اشك اطلاقا في ان يتطوع اي كردي عراقي غيور فيجعله لايخطئ العنوان.
د- وديع بتي حنا
التعليقات