كنت وزميلي الألماني حالياً، والسوري سابقاً، نتضاحك، وبعمق، على نكتة ذات إيحاءات جنسية فقعاء. وذلك في سهرة إنترنتية على أحد المسنجرات التي سخرها لنا أحفاد القردة والخنازير الكفار. فنحن لا وقت لدينا لهذه الخزعبلات ولاختراعات، ونقضي جل وقتنا بالعبادات والمؤامرات، وهذا من فضل الله علينا، فالعاقبة في الآخرة حيث الحور العين والغلمان المرد المخلدون، وأنهار الخمر، وليس في هذه الدنيا الفانية ودار الخراب. ولم تتمكن قوى التشفير العاتية من منع هذه المحادثة، والحمد لله، ولو علمت بها، وبأننا كنا نضحك ونتواصل إنسانياً، لاتخذت كافة الإجراءات الزجرية الرادعة لوقف ذاك السلوك الهمجي حسب أعرافها ومعاييرها الحضارية الرعناء. المهم، وفي أوج ذاك التضاحك والقهقهات، قال صديقي بخوف بادِ: quot;اللهم اجعل هذا الضحك على خيرquot;، فانتابتني، على الفور، رعشة غامضة، فيها شيء من الخوف الممزوج بالقلق والارتياب، وعدنا فجأة لحالة الوجوم والتوجس والوسواس.

فكثيراً ما نسمع هذه العبارة التي تعكس حالة الإحباط والخوف المجتمعي العام، الذي يعانيه الجميع من ممارسة الفرح، أو معايشته، أو مجرد التفكير فيه. وكثيراً ما تنتهي الأيام واللحظات، والأيام بكوارث ومصائب، وأنباء شؤم وسوء وعزاء. أو في أضعف الإيمان، بفاتورة تكسر الظهر من الجباة الانكشاريين، والشبيحة، واللصوص، وقطاع الطرق الأشقياء، الذين يجوبون المكان. حتى صار في اعتقادنا الراسخ بأن كل فرح، وكل لحظة لا بد ستنتهي بمأساة. وهنا أتذكر قول المتنبي فصرت إذا أصابتني سهام تكسرت النصال على النصال. فنحن لم نتعود أن نضحك، ولا أن نبتسم، دون استغفار وطقوس تتعوذ من هكذا لحظات عابرة فالأصل هو الحزن، والأسى، واللطم والبكاء. وكثيراً ما نبدأ يومنا القمطريرا بعبسة، وننهيه بتكشيرة، إن لم يكن بدماء، ودموع فضفاضة مدرارة غزيرة. هكذا تعلمنا، وهكذا تربينا، وهذا هو حالنا مع هذه المجتمعات التي تحرّم الفرح، والابتسام، وتشجع الاكتئاب. وتعتبر أن أية متعة في هذه الحياة هي رجس من عمل الشيطان. فنحن لم نخلق للتمتع بالحياة، بل لنكون وقوداً لآلة الحزن الجهنمية هذه التي تسكن فينا ليل نهار. وإذا حصل وجاءنا فرح عابر، نستغفر الله، ونسترحمه، إنه كان تواباً، غفوراً. في كل مكان ترى الوجوم، والقلق، والحزن، والتوجس على الوجوه، والحسرة والانكسار، ناهيك عن عبسات المسؤولين، والسادة الميامين الأبرار، الذين نراهم في وسائل الإعلام، حيث تعبيرات الوجوه تقطع الأنسال، وتئد الأجنة في الأرحام. لماذا نفزع ونجزع من ممارسة أي فعل إنساني؟ ولِم نخاف من الابتسامة ونعتبرها، قلة حياء، وإذهاب للعقل، وللوقار ومهابة الرجال؟

الفرح ليس مهنتي، كما عنون الرائع الماغوط أحد إبداعاته الثرية وهي، للمفارقة، من منشورات اتحاد الكتاب العرب عام 1970. نعم الفرح ليس شغلتنا، ولا صنعتنا، ولا تتوفر لدينا أية مواد أولية، أو موارد بشرية لإنتاج أردأ أنواع الفرح. فالحزن الأبدي هو صنعتنا التي تعيش عليه أجهزة، ودول، وحكومات، وكهنوت شرير ومرعب يحرم كل أنواع البسمات. الابتسامة والفرح، وعند جميع الناس، هي دليل خير وعافية وحيوية وحياة، إلا عندنا فهي نذير شؤم، وفأل سيء لما سيأتي من أحداث؟؟؟

برامج الكاميرا الخفية الأجنبية التلقائية، وليست العربية المتصنعة، وتحديداً مجموعة Gags quot;قفشاتquot;، هي من أكثر البرامج التي تستهويني، وأفضلها على البرامج والقنوات الجرباء التي لا تبشر إلا بالموت والهلاك، ولا تروج إلا للدموع والدماء والفرقة بين الناس. هذه القفشات، وخاصة، لجهة ردود الأفعال على القفشات، والتي تتجلى بابتسامة عريضة من القلب، وعمق إنساني، وتفاعل، وصبر وأناة، وفي كل حالة على حدة، تعكس الحالة السايكولوجية العامة التي يعيشها، والتنشئة، والبيئة التي فطر عليها هؤلاء الناس. تقابلها الحماقة، والرعونة، والتسرع، وردود الأفعال السلبية التي تصل حد السعر والهيجان، والتي تعكس، بدورها، شخصيات، ونفسيات انفعالية هشة وفارغة على الغالب، وقابلة للاشتعال والفوران، وسكب ماء الوجه، لأتفه الأسباب، يصاحبها انتفاء صارخ لأي اعتبار للآداب العامة، والحشمة، ومعايير احترام السلوك، وما نراه هو ما تمرره الرقابة، فما بالك بالمخبوء والممنوع؟ وحين يضحك العربي ترى الأسى والبؤس ساكناً في عينيه وفي سحنته، ويكشر عن أسنانه المقلوعة التي لا يستطيع أن يرممها بسبب النهب اليومي الذي يتعرض له، والفقر، والضنك، وسوء الحال، فلذلك تراه يفضل أن يبقي quot;بوزهquot;، مقفولاً ومغلقاً، وبعيداً عن هذه المغامرات غير محمودة العواقب، والتي تفضحه أيما انفضاح.

وموسم الانتخابات على الأبواب، هذه الأيام. وتصاب بالرعب والهلع والرجفان وعدم الارتياح، وأنت تطالع بعضاً من تلك الوجوه التي تناطح للعمل العام. وتقول في سرك يا ويلاه!!! ويا ويلي ويا سواد ليلي، ماذا سيحصل لو أن أحداً من هؤلاء المتهجمين العابسين أصبح في مركز القرار وماذا لديه من مواهب وإمكانيات؟ فمن أبسط شروط الترشح للمناصب العامة، غير الثقافة والخبرة، هو أن يكون المرشح صاحب كاريزما ما، وابتسامة تجعله مقرباً من قلوب الناس. والكاريزما، يا كرام، هي جاذبية ما، تجعل المرء محبوباً وقريباً، وخفيفاً على أفئدة العباد، وذا سمعة عطرة تتيح له الخروج دونما حرج بين الناس. وحين سألت عن أحد المرشحين المتجهمين العابسين القانطين الأدعياء، والعياذ بالله، أُفدتُ بأنه كان مهرباً، وما فيوزياً رهيباً، وأخطبوطاً مالياً، وهو الآن في طريقه بكل اجتهاد، للقضاء على ما تبقى من خير وروح في الاقتصاد، إضافة إلى سحنته، وعبسته التي تقطع الخميرة من البيت، كما يقول أحبتنا في أرض الكنانة. وسألني صديقي أبو الدراويش، ألا يطلب من المرشحين، مثلاً، شهادة حسن سلوك من المختار؟ أو على الأقل شهادة لا حكم عليه حتى لو كانت كتلك التي كان يصدرها، ذات يوم، أبو عنتر وغوار؟ وحين يطلع عليك أي مذيع، أو مذيعة من إياهم، في تلفزيونات العربان، تعتقد أن القيامة ستقوم بعد أن ينتهي من وصلته وإطلالته الكارثية على الفقراء، وتؤمن بأن علامات الساعة هي حقيقة وليست اختراعاً، كما يروج بعض المتفذلكين الملاعين الخبثاء.



حذارِ من أن يضحك أحد حين قراءة هذا المقال!!! وإياكم والابتسامة، والسرور، والانشراح وممارسة الأفراح، أوالتمتع بأي من ملذات الحياة، ومباهجها، فهي فجور، وفسق وتشبه بالزنادقة والكفار، واستغفروا الله. فحكومات الاستبداد، وفقهاء الظلام، والمستقبل المبهم الغامض، والواقع الأسود المر، لكم، جميعاً، بالمرصاد.

واللهم أعطنا، دوماً، خير الضحك والابتسام!!!!

نضال نعيسة

Nedal Naisseh
[email protected]
[email protected]
[email protected]
Lattakia - Syria
0096398503207