نعم لتركيا الديمقراطية كما يريد الشعب التركي لا كما يريد نضال نعيسة


كتب الاستاذ نضال نعيسة مقالا بعنوان (لا لتركيا الاسلامية) نشره له موقع إيلاف المتميز، ورغم أنني من قراء الاستاذ نضال، الا أن معالجته لموضوع تركيا لا يحتمل السكوت عنه، فهو بدءاً من عنوان المقال (لا لتركيا الاسلامية) يظهر تحييزا سافرا ضد توجه قطاع كبير من الشعب التركي (يقارب الثلثين) صوتوا لحزب العدالة ومنحوه ثقتهم، إضافة إلى خلطه بين الدستور الديمقراطي والبرنامج الحزبي، فالاحزاب يجب أن تتساوى جميعها في احترامها والتزامها بالدستور الديمقراطي ولكنها لا شك تختلف في مرجعياتها الحزبية والبرامج التي ترى فيها صلاح البلد وازدهار الامة.


والاخطر من ذلك أن الاستاذ نضال يحاول الغمز من قناة قادة حزب العدالة بكشف ما يضمرون في صدورهم والاطلاع على سرائرهم باسلوب بدائي لا يقره قانون ولا يسنده منطق، حيث قال: (... الثنائي الإسلاموي أردوغان - غول، اللذان يتبعان مدرسة التقية، ويمارسان، بدهاء، شعار quot;نتمسكن حتى نتمكنquot;) إن هذه اللغة الفوقية التي تتصرف وكأنها تعلم الغيب، والتي تنادي بالهجوم الاستباقي على طريقة الرئيس بوش لا تورث الا مزيدا من الظلم والفوضى.


إن الازمة في تركيا اليوم ليست بين الاسلام والديمقراطية، إنها أزمة بين العلمانية والديمقراطية، إن حزب العدالة لم يأت على دبابة إنه أتى بأصوات أغلبية الشعب التركي التي اختارته لا لانها انخدعت به، بل لانه جربته في مواقع المسؤولية، فعندما كان أردغان مثلا محافظا لمدينة استنبول أشاع فيها النظافة والامن والازدهار وطهر أجهزتها من الرشوة الفساد، فاحبه الناس وانتخبوه للبرلمان ثم ليصبح رئيسا للوزراء.
إن مؤسسة الجيش التركي التي تنادي بالعلمانية هي التي تعاني من مشكلة مع الديمقراطية وتردد في الاستجابة لخيار الشعب التركي لممثليه وقادته الذين اعلنوا التزامهم بالنهج العلماني الديمقراطي ونفذوه بدقة في كثير من المواقف التي تتعارض مع حقوق الانسان البسيطة كأن يلبس كما يريد وأن يمارس دينه وعباداته دون حسيب أو رقيب، حتى قيل أن أردغان أرسل بناته للدراسة خارج تركيا لرغبتهن في الحفاظ على الحجاب.


وتركيا اليوم ليست متروكة للصدف وللمجهول حتى تحتاج لان يهدد الجيش بالدبابة. إن تركيا على أعتاب الدخول في الاتحاد الاوربي الذي وضع شروطا صارمة للتأكد من علمانية تركية وديمقراطيتها، هذا الاتحاد الذي لا علاقة له بالاسلام هو الذي يطالب الجيش في أن يبقى في ثكناته وأن يترك للسياسيين معالجة الامر، فلا أدريي ما هي مشكلة الاستاذ نضال الذي يظن أن هناك أمورا تدبر بليل.
ثم نعرّج على المظاهرات التي خرجت في المدن التركية والتي قال عنها البعض أنها مليونية، والتي أخرجها خصوم حزب العدالة والذين يريدون ديمقراطية تفصيل على مقاسهم فنقول إن عدد سكان تركيا قرابة واحد وسبعين مليونا، صوت ثلثاهم تقريبا لحزب العدالة، فمن المنطقي أن حزب العدالة قادر غداً على إخراج مظاهرات بمليوني شخص لاظهار قوته واستعراض عضلاته. ومع ذلك يبقى حق التظاهر السلمي مشروعا ومحترما لكل صغير وكبير ولكل قليل وكثير.


إن النهج الذي يتبناه بعض العلمانيين العرب والمسلمين في إقصاء الاحزاب المحافظة وذات المرجعيات الدينية نهج غير ديمقراطي ولا يبشر بخير، وهو لا يقل سوءا عن النهج التكفيري والاقصائي الذي يتبناه بعض المتشددين من المتدينين، إن المرجعية المحافظة في النسيج الحزبي العالمي نهج أصيل بغض النظر عن كونه إسلاميا أومسيحيا أو مجرد إتجاه أخلاقي لا علاقة له بالدين، فهو يبقى مصنفا على أنه إتجاه محافظ، هذا الاتجاه أصيل في الحراك السياسي العالمي الشرقي والغربي، ولا يمكن لاحد أن يستأصله ويجب أن يرحب به كشريك في الساحة السياسية ما دام رضي باللعبة الديمقراطية وقبل بالاحتاكم الى الشعب والى صناديق الاقتراع، والمعركة الحقيقية اليوم هي مع الاستبداد والفساد التي يجب أن يواجهها جميع الديمقراطيين من أحرار ومحافظين ومن يساريين ويمينيين ومن متديينين وعلمانيين، ويدا بيد مع الاستاذ نضال في النضال ضد الاستبداد والفساد.


محمد زهير الخطيب