من الصعب جداً التيقن من إرادة المواطن العربى فى قضية الإصلاح وماهو الإصلاح الذى يمكن أن يفهمه فى عصرنا الحاضر، فالمواطن البسيط يعتقد أن الإصلاح يعنى أن هناك خلل فى أفعال الآخرين من حوله ولكنه يرفض أن يلصق به أحداً quot; تهمة quot; الإصلاح لأنه يعتقد بأن شخصه المقدس لا يوجد به خلل أو عيب ما!


من هنا نجد كل مواطن يلصق بنفسه صفة الكمال والخلو من العيوب التى تحتاج إلى إصلاح، بمعنى آخر فإن الإرادة الإنسانية للمواطن العربى فى محاولات الإصلاح مفقودة تماماً وساعدت السلطات الحاكمة على إجهاضها بشتى الوسائل والحيل ومنها محاولات تصوير الإصلاح على أنه يأتى من الخارج و يهدف إلى إفساد الدين لذلك شجعت السلطات الحاكمة الحركات الدينية بشتى صورها لتقف بشكل أصولى ضد هذا الإصلاح الآتى من أعداء الوطن والأمة الذى يعتدى على خصوصيات quot; الشخصية العربية quot;.
لذلك كان المواطن نفسه على يقين من الإصلاح لا يحتاج إليه وأنه quot; مبسوط كده quot; من كثرة ما تبثه الوسائل الإعلامية من أنه quot; خير الناس quot;، بل وأصبح عاجزاً عن إدراك حاجته الخاصة إلى الإصلاح الذاتى حتى يستطيع أن يكون عاملاً إصلاحياً إيجابياً فى أسرته ومجتمعه.


ومشاعر اليأس والخيبة والإحباط واللجوء إلى العنف والتطرف والإرهاب ماهى إلا مظاهر العجز الحقيقى عن إدراك أن الفرد ذاته هو موطن الداء، لأن نظام حاكم لن يتغير من تلقاء نفسه بل يحتاج إلى أفراد الوطن الذين يعالجون أنفسهم أولاً من الأمراض المزمنة التى زرعها فيهم هذا النظام ثم يتجهون إلى توعية باقى المجتمع.


لكن الذى يحدث فى مجتمعاتنا العربية هو محاولات إصلاح عنصرية حيث تقوم بعض الحركات بتبنى شعارات تستحوذ على مشاعر المواطن البسيط الغارق فى مشاكله اليومية وخاصة رغيب الخبز اليومى، ولأنه يعيش حالة من الأختناق فهو يحتاج إلى quot; الفضفضة quot; والصراخ فإذا دار نقاشاً تجد الجميع يصرخون وإذا خرجت مظاهرة خرج فيها ليصرخ وليحطم ما تصل إليه يداه، هذا هو إنسان اليوم المريض.


إن خطاب ما يسمون أنفسهم بالمفكرين الإصلاحيين لم يتوجه إلى إحداث تنمية حقيقية إنسانية فى ذات الفرد العربى، وإنما كان خطاباً إستهلاكياً يستغل الأديان لتحطيم ما تبقى لدى الفرد من فرص الخروج من أزماته ومشكلاته الإنسانية، وبدلاً من أن يكون الفرد ذو تأثير إيجابى وفعال فى محيطه الإجتماعى، أصبح تأثيره سلبياً نحو نفسه ونحو مشاكله التى تتكاثر بأستمرار وفى الوقت ذاته له تاثيراً إيجابياً نحو السلطة الحاكمة إذ أن الخمول الذى يعيش فيه وهو النتاج الطبيعى للخطاب الفكرى والدينى المتفشى فى المجتمع بأكمله يخدم مشاريع تلك السلطة الحاكمة وبقية الحركات والجماعات التى لها مصالحها فى القفز إلى كرسى الحكم.


لذلك نجد أمام الفرد العربى تحديات كثيرة ومنها كيفية الخروج والتغلب على دائرة الخوف الذى نسجها لنفسه ونسجها له رجال الفكر والدين ليقع الفرد العربى فى النهاية ضحية إحتلال لفكره وعقله ويصبح عبداً سجين هذا الفكر وهذا الإحتلال العقلى الذى يقوم بتوجيه مشاعره ومصالح فى مجتمعه حسب مصالح ومشاريع هذا الإحتلال.


الإصلاح إذن هو إصلاح إنسانى فى المقام الأول والأخير ولا دخل له بالقوميات أو بالأديان أو بالجنسيات، إصلاح قائم على معايير إنسانية إجتماعية تحترم الفروق الفردية بين البشر بغض النظر عن طبيعة هذا الآخر من أى كوكب يأتى أو من أى دين أو طائفة ينتمى، أن يكون المعيار الوحيد هو المعيار الإنسانى.


ستقام منتديات ومؤتمرات وندوات للحديث عن الإصلاح، وسيخرج لنا المفكرين وغير المفكرين بنظرياتهم فى تشخيص الإصلاح وعلاجه، لكن سيبقى الفرد هو الضحية الذى يعانى فى النهاية من كثرة الأوهام التى تحيط وأحاط نفسه بها، لأن الإصلاح لابد أن يكون دوافعه فردية يستشعرها الفرد حتى يستطيع التغلب عليها بالعلاج المفيد.


ميشيل نجيب

إيطاليا