ليس من المعقول أن يكون في جنوب العراق مجتمع بدون صابئة، ولايمكن لجنوبي من سوق الشيوخ أو الطويسة في البصرة،او العمارة،أو سكان الجنوب أن يتصوروا مدنهم تخلوا من صناع وصاغة الذهب والفالات والقوارب على رغم من الخراب الدائر والتخلف السائر،فهذا من طبيعة الصابئة في البقاء،والذين يقال إنهم كانوامن أواخر بقايا السومريين،وكانت لغتهم هي لغة المسيح عيسى ولا تزال كما أظهرها ميل غيبسون في( ألام المسيح ).
*****
في سوق الشيوخ يفصل الفرات المدينة إلى شطرين، محلة الصبة (الصابئة ) في الشرق،بينما يتكون الشطر الغربي من محلة الحويزة ثم البغادة وصولاً الى هضبة النجادة والحضر الأثرياء ونزولا ً الى الأسماعيلية حيث الطبقات الوسطى والفقراء،ثم الصلبة عوائل الريفيين المهاجرة،بينما يسكن في( الفرهه) عوائل الشرطة القريبين من بناية القائمقامية وحراسها البسطاء، كان سوق الصاغة صغيرا ً لكنه مكتظا ً بمحلات المجوهرات التي يملكونها الصابئة،ولاأستطيع أن أتذكر عروسا ً في سوق الشيوخ تم زفافها بدون ذهب الصبة،وفي سوق مجاور يجلس الحدادون من الصابئة ليبيعوا المحاريث الزراعية وفالات صيد السمك السومرية والتي كانت تستخدم وأنا على يقين حتى الأن،وكنت ُ أقطع مسافات طويلة ثم عبر القوارب حتى أصل الى بيت أم صباح السيفي (وهي حية ترزق في سيدني ) محملا ً بالدبس والتمر المنشى بحبة الحلوة والسمسم فأمر على صانعي المشاحيف والقوارب،ثم أعود إلى العلوية أم حسين خالتي المربية محملا ً ببيض البط والنبق والطليع، أم صباح وأم حسين ربطهن الحزن،فالأثنتان ارملتان ولديهن أطفال،لكنهن أصرتا في نفس الوقت على تربية الأطفال على الزواج بآخرين،فكانت صداقة معنوية وعائلية وأيضا سياسية،فكلتاهما من محبذات اليسار وحريات النساء،وكانت أم صباح حين تصل بيتنا بـ(شيلتها ) والعباءة السودوايين
نطير من الفرح،فنهتف جاءت أم صباح..أم صباح،ماتت العلوية أم حسين والحياة تلو الحياة لأم صباح.
*****
على مدى معرفتي بالناس ومعرفة الناس الذين حولي،لم أسمع أو أعرف بصابئي (بعثي )أو صدامي عدا (شاعر القادسية )،أو صابئي آذى الناس بكلام أو قطع أرزاقهم،فذاكرتي عن الصابئة هي من العسل،كان هناك الأستاذ إنذار يوسف الصارم الشديد الذي لطمني (راشديات ) حتى بدأت بفهم درس الهندسة،وكان يقول في أول الدرس (كل واحد يقوم ويحكي النظرية )،ثم الأستاذ صلاح الرشدي مدرس (الحيوان ) الذي علمني وعلم أعمامي وعماتي في السادس العلمي نظرية التطور وتكون الأحياء،والأستاذ (نافع ) مدرس الجغرافية الذي كان يصنع من فضاء الدرس الناشف مشاريع في إكتشاف الطبيعة،كان هؤلاء الأساتذة جميعهم من الصابئة المندائيين،من مجموع تسعة مدرسين قي الثانوية.
*****
كانت دواوين مدينة سوق الشيوخ تتحدث عن معلم غريب الأطور وهو ( ورد الصبي ) الذي كان
مديرا ً ومعلما ً وفراشا ً في نفس الوقت في مدرسة قروية، وكيف كان يتعامل مع التلاميذ ومع الحرامية الذين يريدون سرقة المدرسة وسرقته،لكن ورد بفطنته وذكائه جعل من أبناء القرية تعلم القراءة والكتابة وإن السرقة عيب !! وقد أنتج المعلم ورد الصبي إبنه عالم الفلك عبد العظيم ورد الذي كان يظهر على الناس في برنامج العلم للجميع،فأين الجميع،وأين العلم الأن.
*****
صبي يادموع العين صبي
على الي ساكنه في بيت صبي
عفت دين الإسلام وصرت صبي
تركت الدين وعبدتْ شميت هيّه
واصف شنون
التعليقات