نُهدى هذا المقال إلى السادة المعلقين المُحترمين الذين عاثوا فى مقالنا ( صليب سيدنا محمد ) نقداً ونقضاً دون ان يفكروا ولو قليلاً فى خلفيات المقال او يستقصوا الفكر الأطروحى له وها هي حادثة العياط - والتى هى ليست من قبيل الصدفة - تُصدق بتفاصيلها المؤسفة والمُخزية على كل كلمة ذكرنا أياها فى مقالنا

كنا قد روينا لكم فى ذلك المقال قصه هي اشبه بالدعابة عن ( صليب سيدنا محمد ) وذلك لأيماننا أن النكتة أو الدعابة إنما هي إحدى الوسائل الدفاعية اللاشعورية التي يعتمد عليها الإنسان لمواجهة ضغوطات ناجمة عن محيطه الخارجي وربما لإيجاد توازن نفسي وإخراج دوافعه وطاقاته المكبوتة
ولأنني لا أحب بطبعي الكلام المُرسل التقليدي فقد رأيت أن أحيط اطروحاتى الخاصة بموضوع ( بناء الكنائس ) وما ارتبط بها من فتاوى سلفية مُجحفة بإحدى هذه الوسائل الدفاعية اللاشعورية التى تولدت فى نفوس الأقباط من جراء الضغط التعنتى الذى مارساه الوسط المُحيط ممثلاً فى كل الأجهزة المعنية وغير المعنية فى هذا الشأن الوطني الذى بات من المُلح علينا ان نجد له علاجاً جذرياً قبل ان يتفشى إلى حد يخرج فيه عن سيطرتنا جميعاً - هذا إن لم يكن قد خرج بالفعل ولن يعد -

وتقول الدعابة - على سبيل التذكرة ونأسف لمن مل وسئم التكرار - أنه قد حدث نزاع بين بعض المسلمين وبعض المسيحيين حول قطعة أرض أراد المسيحيين تحويلها إلى كنيسة.. وتحول النزاع كما في كل مرة إلى فتنة طائفية تنذر بسقوط قتلى وجرحى -غالباً من جانب واحد-
وأصيبت الجهات الأمنية كعادتها في مثل هذه الظروف بالصمم والعمى وفقدت للأسف كل حواسها الأدراكية
وتطورت الأحداث إلى أن اتفق الطرفان المتنازعان -في سابقة تاريخية- على الإحتكام إلى عدالة السماء التي نزلت يوماً على إستاد باليرمو الأيطالى...!!

حى على الصلاة... سوف يصلي الطرفان ومن ثم يقوما بحفر وتنقيب الأرض موضع النزاع ومن يجد أولاً أثر -أي أثر- يدل أو يشير إلى ديانة الأرض -إن جاز الوصف والتسمية- سوف يكون هو صاحب الأرض وتكون الأرض من حقه...
بدأت عملية الحفر والتنقيب والتي لم تستمر طويلاً إذ وجد عمال الحفر صليب
وقبل أن يبتلع أحد هول المفاجأة صرخ المسلمين في أنتصار
(الله أكبر.. الله أكبر...... صليب سيدنا محمد)
وحصلوا على الأرض..!!

وقد حدثت هذه القصة بالفعل فى قرى عديدة ليس اخرها بالتأكيد المؤسف قرية ( بمها ) بالعياط
إلا ان السابقة التاريخية لم تحدث ولم يحتكم الطرفان إلى عدالة السماء، بل اكتفى احد الأطراف ( وهو الطرف المسلم كالعادة ) بالإحتكام إلى عدالته الشخصية واهوائة ونوزاعه المتطرفة، وانطلقت جحافله الغوغائية بمباركة منشور بغيض يحمل ما بين طياته سواد قلب الشيطان
( أسلحة بيضاء ) وجدت طريقها فجأة إلى يد بلطجية الجهاد، (عكاكيز) تناسوا دورها فلم تعد عوناً لضعيف ولا سنداً لمريض ولا مُتكىء لعجوز بل صيروها منافساً شرساً فى سباق محموم للضرب والقتل، ( شوم ) أعاد إلينا ذاكرة فتاوات الحواري والأزقة لكن لا دور هنا للشرف والقوة وحماية حقوق الأخرين، ( جنازير ) تقشعر له الأبدان ويشيب لهولها الولدان وتستشعر معها اننا فى درافور او فى أزقة الصومال، ( جراكن من الكيروسين ) و ( كتل من النار ) صنعت من سكنى المسيحيين جحيماً يتشدقون دوماً بأنه سيكون مثوانا الأخير
وحى على الجهاد...
احرقوا البيوت، دمروا المحال، لم يرحموا صغير برىء ولا مُسن عجوز
وكل هذا بالطبع فى ( لا وجود ) اجهزة امنية اصيبت - كالعادة - بالخرس والصمم والعمى إلى حين نأسف حقاً ان يكون مُتفق عليه

ولك ان تتخيل عزيزي القارىء - لا حرمك الله من نعمة التخيل - نفسك وقد جلست أنت وزوجتك الحنون وأطفالك الصغار وأمك العجوز فى أمان الله - او هذا ما يفترض - تتحدث وزوجتك فى شئون عائلية وهموم أسرية مصرية صميمة بينما يلهو أطفالك

الصغار مع الجدة العجوز التى ترفع قلبها ما بين حين وأخر إلى السماء كى ما يحفظكم الله فى عنايته ورعايته، سلام دافىء يحتضن أجواء المكان، محبة تعلو ولا يعلو فوقها شيئاً و.....
وإذ بصيحات المُجاهدين تشق صدر السلام الدافىء وإذ بالرعب يرتسم فى عيون الأطفال والهلع فى عيون الجدة العجوز، وإذ بشرذمة من بلطجية الجهاد يقتحمون عليك حُرمة بيتك ويعيثون فى أولادك وزوجتك ركلاً وضرباً بالعصي والجنازير - حتى أمك العجوز لم تسلم من ضرباتهم الموجعة دون شفقة او رحمة - ويعيثون فى ممتلكاتك ومقتنياتك وأرجاء بيتك تدميراً وحرقاً

اننى لا أنسى ما حييت - وأرجو ان تضم ذاكرتنا جميعاً هذا المشهد المأساوي - مشهد امرأة عجوز ( رفقة إبراهيم عريان ) فى الثمانين من عمرها اصيبت بكسر فى ذراعها و 3 غُرز فى الحاجب الأيمن من العين وهى تقول فى ضعف
quot; وأنا قاعدة فى البيت لقيناهم هجموا علينا بالعروق والخشب والشوم وحرقوا البيت كله وعداد الحكومة كسروه quot;
لماذا؟!
هل لأنها مسيحية؟!
أم لأن المسيحيين فكروا ان يبنوا لأمثالها من العجزي المساكين مأوى كنسي يحتضن صلواتها الغالية، مأوى قريب إذ لا قدرة لها وسواها من كبار السن على التحرك مسيرة 15 كيلو متر حيث اقرب كنيسة؟
لماذا؟!
بأي منطق ونحت اى مُسمى اصطلاحي تحدث مثل هذه الأمور التى قد تسر العدو وأخشى ان تسر ايضاً الحبيب

quot; يعتزمون بناء كنيسة دون ترخيص، يا لوقاحة هؤلاء المسيحيين، أمن المعقول أن تصل بهم قلة الأدب، والخيانة، حد التفكير في بناء كنيسة، يُذكر فيها اسم اله المحبة والسلام. استغفر الله العظيم، استغفر الله العظيم.
ويتحول السباك والقهوجي والقصاب وبتاع الشيشة، إلى مسؤولين في الدولة الإسلامية المصرية، حريصين على تطبيق الشرع السلفي، الوهابي، الأزهري. quot;
ان تلك الكلمات الساخرة التى للأستاذ سلطان الرفاعى أنما هى حقاً لسان حال متطرفى الإسلام وألا لماذا نرى مثل هذا المنشور الذى تم عنوانته بـ ( نداء إلى اهالى القرية المسلمين ) والذي أورد من خطهُ بحروف شيطانيه ان ( الإسلام فى خطر ) وان ثمة ما يدعو للجهاد.. وان على من يغار على دينه من اليهود والكفرة ان يتواجد بعد صلاة الجمعة مباشرة ( فمن اليوم لا تراخى ولا كسل ولابد من ان يغار كل مسلم على دينه والا عليه العوض ومنه العوض - حسب نص المنشور -.. )
لماذا - وهو والأكثر بشاعة ههنا - يطلق مُسمى ( الليلة الكبيرة ) على هذه العملية الجهادية المُنفرة
كل هذا من اجل بناء كنيسة؟!
يالهوى... ( وعذراً للصيحة الأنثوية الأشهر )

المُصيبة انها ليست المرة الأولى ( بل أنها المرة الثالثه على مستوى العياط فقط - بقريتى جرزا وكفر مصيلحة - وبنفس السيناريو ولنفس الأسباب )
نفس السيناريو الذى وصفه الأستاذ نبيل شرف الدين فى مقاله ( اقباط مصر ومخاوفهم المشروعة ) بأنه سيناريو سخيف ومُخيف
quot; هو مجرد حلقة في سلسلة طويلة تبدأ وفق نفس السيناريو السخيف المخيف، أن يشرع بعض الأقباط في بناء أو ترميم كنيسة حتى يثور الدهماء بتحريض من أبواق التطرف ويحرقون منازلهم ويقتلون أو يصيبون من ألقت به المقادير في طريقهم من المسيحيين، وكل مرة تبادر السلطات لفرض الأطواق الأمنية على مسرح الأحداث، وتلقي القبض على نفر هنا وهناك، وتدخل القصة دهليز الصمت، في رهان على النسيان وإعمالاً لنظرية quot;عفا الله عما سلفquot;..... quot;


ويبقى السؤال - الذى كنا قد أوردنا فى مقالنا السابق وضاع بين مهاترات التعليقات -
لماذا تهتز قرية وتتحرك بلد بكاملها لأن المسيحيين فكروا أو هموا وشرعوا في بناء غرفة في كنيسة أو وضع جرس على سور كأن الإسلام ساعتها في خطر والأمة الإسلامية تتعرض لكارثة فينبري الآلاف لهدم الكنيسة أو ضرب المسيحيين والإعتداء عليهم وكأن بناء كنيسة هزيمة للإسلام وإنتصار للمسيحية مما يستدعي جهادا في سبيل الله!quot;...؟!
لماذا؟! - وكما أوردت الدستور فى تحقيق مميز لها - يشعر المسلمون بأن بناء كنيسة فى العياط اهانة للإسلام؟

هل من إزاحة لهذه العلامة الأستفهامية الشامخة؟!

وفى النهاية مازلنا نؤكد يا سادة - وليس ضرباً للودع ولا قراءة مُستقصية للكفوف،ولا نبوءات تنتمي لعوالم نوستراداموس - لدينا ما لا يقل عن مئة بؤرة فتنة طائفية - هي في الحقيقة كنائس نحاول أن نحصل على تراخيص بناء أو تجديد لها وفي يوم افتتاحها سنجد كالعادة جموع المجاهدين الذين ينفذون أوامر سيدهم ونبيهم
quot;لا تبنى كنيسة في الإسلام ولا يجدد ما خرب منهاquot;

لا أنا بل نعمة الله التي معي


جورج شكري
[email protected]
[email protected]