كسر لقاء الحوار وجها لوجه، بين الإدارة الأمريكية و النظام الإيراني حول بعض الملفات ذات الاهتمام المشترك في العراق حسب ما هو معلن ، العقدة التي ظلت تحكم علاقة العلاقات بين الطرفين منذ اكثر من عقدين ،حيث وكما هو معلن فأن آخر مفاوضات علنية ومباشرة جرت بين الجانبين كانت في الجزائر وتمحورت حول أزمة الرهائن الدبلوماسيين في السفارة الأمريكية في طهران مطلع الثمانينيات والتي استمرت 444 يوماً وانتهت بمفاوضة مباشرة بين الطرفين.


وعلى الرغم من المعلومات التي تسربت عبر وسائل الإعلام عن العديد من المفاوضات المباشرة بين الجانب الأمريكي والإيراني طوال السنوات الثمانية والعشرين الماضي، الا أن أياً من الطرفين لم يؤيد تلك المعلومات التي بقيت مجرد شائعات أو أنها غير رسمية.
ولكن بعد مدة طويلة من القطيعة فقد تم أجراء الطرفان اخيراً مفاوضاتهم العلنية والمباشرة والتي ينتظر منها أن تؤدي إلى رسم خط و أهداف معينة، هذا إذا ما كان الطرفين صادقين في مفاوضاتهم ،حيث يرى بعض المحللين أن هذه المفاوضات تجري بسبب ضغوط داخلية تمارس على كل من إدارة الرئيس جورج بوش والرئيس الايراني احمدي نجاد ويحاول كل طرف منهما تعرية الطرف الآخر للتخلص من الضغوط الممارسة عليه.


الا انه قبل ذلك يجب معرفة ما هي مواضيع الخلاف، و على أيها يمكن أن يتصالح عليها الطرفان ، وعن أيهما سوف يتنازل أحدهما للطرف الثاني ليحقق مكسباً في موضع آخر؟.
مواضيع الخلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإيرانية حسب ما هو معلن عنها تتمثل في أربعة نقاط ، هي 1- الملف النووي الإيراني، 2- المسألة اللبنانية والفلسطينية ،3- الإرهاب وموضوع العراق وأفغانستان، 4- قضية انتهاكات حقوق الإنسان في إيران.


هذه المواضيع قد شكلت في ما مضى نقاط الخلاف التي دفعت بالولايات المتحدة الأمريكية إلى سلسلة من الإجراءات ضد إيران كان من بينها فرض عقوبات عسكرية و اقتصادية وصناعية مباشرة ، لاسيما في مجال قطاع النفط. هذا بالإضافة إلى وقوفها خلف القرارين اللذين أصدرهما مجلس الأمن لمعاقبة إيران، وكذلك ضغوطها المستمرة على الكثير من الدول لخفض علاقاتها مع النظام الإيراني ،و كذلك أيضا ملاحقة المنظمات المتحالفة مع إيران في العراق واستعمال السلاح ضدها في أحيانا آخر، مثل هو حاصل مع مليشيا جيش المهدي وغيرها من المنظمات المشابهة الأخرى.


وعلى الرغم من وجود هذه المواضيع الخلافية فان بالمقابل هناك مواضيع أخرى كانت و ما تزال موضع توافق مشترك بين البلدين ، فقط سبق للطرفين الاتفاق في موضوع البوسنة،والتعاون في موضوع إسقاط حكومة حركة طلبان واحتلال العراق ، وقد كشف هذا التعاون عن حجم المصالح المشتركة بين الطرفين.
لذا بات علينا أن ننظر في أي موضوع من المواضيع الخلافية التي مر ذكرها يمكن أن يحصل تصالح بين الطرفين. بمعني في أي موضوع يعطي أحد الأطراف نقطة لصالح خصمه ليحصل منه على نقطة في مكان آخر حتى يتمكنا عن هذه الطريق خفض التشنج القائم في العلاقات بينهما.
أ- الموضوع النووي :
هذا الموضوع المتأزم اصبح بالنسبة لأمريكا يشكل معضلة وذلك بعد أن ضغطت على مجلس الأمن و أرغمته على إصدار قرارين يدينا النظام الإيراني ويفرضان عقوبات على بعض شخصياته ومؤسساته المسؤولة عن تطوير برنامجه النووي ، وقد تمكنت أيضاء من خلق إجماع عالمي ضد إيران بهذا الخصوص. لذا بات من غير الممكن بالنسبة لأمريكا التراجع في هذا الموضوع ، فان أي تراجع من المحتمل أن يتسبب في خلق خلخلة في الإجماع الحاصل وهو ما قد يولد أزمة بالعلاقات الأوروبية - الأمريكية ،وهنا يرى البعض أن أمريكا يمكنها في حال حصول توافق مع النظام الإيراني أن تحد من عملية تنفيذ العقوبات التي فرضها مجلس الأمن ولكن هذا يحتاج إلى عملية التفاف على تلك القرارات وهذا غير ممكن وان أي اتفاق على مثل هذا الموضوع يبقى احتمالية تنفيذه غير مضمونة. كما يرى آخرون أيضاء أن الولايات المتحدة طالما أنها في حال مفاوضات مع إيران فيمكنها أن تؤخر الإجراءات المحتمل اتخاذها من قبل مجلس الأمن ضد طهران لاحقاً، وهذا الأمر طبعا لا يمكن أن يدوم طويلا حيث يبقى مرهون بنتائج المفاوضات ومدتها.


بzwnj;ـ لبنان
في الموضوع الفلسطيني واللبناني، لا أحد يتصور وجد طريق تراجع أمام أمريكا،من ناحية لكونها غير حاضرة للاعتراف بالدور الإيراني الذي تطالب به في المنطقة ، ومن ناحية ثانية كون هذا التراجع والاعتراف إذا ما حصل فانه سوف سيكلف أمريكا دفع ضريبة كبيرة لحلفائها في المنطقة وليس من المؤكد إذا ما كان بمقدور العلاقات مع إيران جبران تلك الخسارة، لهذا لا يمكن التصور أن الولايات المتحدة حاضرة للتغير في نظامها الإقليمي من اجل إرضاء إيران. طبعاً هذا لا يمنع من إمكانية أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق على تغيير مواقفهما من حزب الله وموضوع المحكمة الدولية بشأن قتلة الرئيس رفيق الحريري و أمثالها من مواضع الاختلاف في لبنان أو فلسطين.


جzwnj;ـ موضوع الإرهاب والوضع في أفغانستان والعراق
موضوع العراق يندرج من وجهة نظر الولايات المتحدة الأمريكية ضمن ملف الإرهاب المدعوم من إيران ، وهذا الملف على عكس الملفات السابقة تحكمه عدم الشفافية ، فكما هو ظاهر أن أمريكا دأبت على توجيه الاتهامات لطهران و اعتادت الأخرى على الرد بالنفي. و رغم ذلك فان واشنطن ترى أن طهران قادرة على المساعدة في توفير الأمن ( لصالح أمريكا ) بالعراق.
ولكن ماذا بوسع أمريكا أن تقدمه لإيران في هذا الملف؟. يرى بعض المحللين السياسيين الإيرانيين وعلى رأسهم السيد عباس عبدي ،أحد ابرز رموز التيار الإصلاحي ، أن أمريكا لا يمكنها تقديم أي شي سوى إطلاق سراح الضباط الإيرانيين الخمس المعتقلين لديها. لماذا؟، لانه ببساطة كل ما كان باستطاعة أمريكا تقديمه لإيران فعلته سابقاً ، فأهم ذلك إسقاط نظام الرئيس صدام حسين و إقامة حكومة شيعية ndash; كردية. وهذا أهم شي كان يأمله النظام الايراني.


ويضيف عبدي ، أن البعض يعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية بخروجها من العراق سوف تسدي خدمة لإيران. حيث دأب الخطاب الرسمي الايراني على المطالبة بخروج القوات الأمريكية من العراق، وهذا الموقف في الواقع موقف تكتيكي لكون إيران تدرك أن خروج أمريكا من العراق غير وارد حاليا لهذا فهي تطرح هذا الأمر لتسجل نقطة إعلامية على اقل تقدير. في حين أن خروج أمريكا من العراق يشكل خطرا كبيرا على إيران اكثر من الخطر الذي يشكله على العراق، حسب وجهة نظره ، حيث أن مسؤولية جميع الأوضاع في العراق كما يرى عبدي ، ستوجه لإيران وعندها سوف تقع طهران في مستنقع وحل عراقي مما يخل أزمة عربية و إسلامية كبيرة لها. لذا فان وجود القوات الأمريكية في العراق شكل لحد الآن درعا للوجود الايراني هناك.


وفي أفغانستان كذلك فان المصالح الإيرانية مشابة أيضاء لما هي في العراق تقريباً ،ولا توجد أي جهة إيرانية تطالب بالخروج الأمريكي من أفغانستان.


دـ حقوق الإنسان
أما بشأن ملف حقوق الإنسان ،فان إدارة الرئيس بوش يمكن أن تتصالح مع النظام الايراني في هذا الملف بعد ضمان تحقيق مكاسب في ملفات خلافية أخرى. ولكن المشكلة هنا أنه لا يوجد ضمان في تحقيق مثل هذه الوعود لكونها تبقى وعود غير رسمية. خصوصاً وان إيران ترى ذلك يضر بهيبتها و يقلل من شأنها أن هي طلبت رسمياً من الإدارة الأمريكية تعديل موقفها في موضوع حقوق الإنسان ، حيث دأبت طهران على اتهام الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عامة بانتهاك حقوق الإنسان ولم تجد في نفسها يوما ما متهمة.
يبقى أن هناك عدد من الأمور التي يمكن للإدارة الأمريكية أن تظهر انعطافة في مواقفها من اجل تحقيق ما تأمله. ومن هذه الأمور يمكن ذكر ما يلي :
أولا - إطلاق سراح الضباط الإيرانيين المعتقلين لدى القوات الأمريكية في العراق ، حل لغز معاون وزير الدفاع الايراني السابق الذي اختفى في تركيا ،إنهاء ملف الدبلوماسي الايراني السابق (نصرت الله تاجيك) المعتقل في بريطانية و المطلوب للمحاكمة في أمريكا بتهمة عقد صفقات غير مشروعة لشراء أسلحة أمريكية محذورة على إيران.


ثانياً - فرملت قرارات لمجلس الأمن العقابية.
ثالثاً - وقف المقاطعة الأمريكية لإيران خصوصا في مجال صناعة النفط والغاز والحد من إصدار المزيد من القرارات العقابية.


هذه الأمور الثلاثة من وجهة نظر الجانب الايراني أنها قبالة لكي يتم تجديد النظر فيها من قبل الإدارة الأمريكية الحالية أو القادمة ، و إن الاتفاق على هذه الأمور لا يستلزم إبرام عهود موقعة بل يمكن تحقيقها باتفاقات شفهية.
وبالمقابل فان ما هو مطلوب أمريكياً من إيران يكمن أولا في توقيف تخصيب اليورانيوم ، وقف الدعم المقدم للأشخاص والمليشيات المسلحة في العراق ، تغيير المواقف الإيرانية المعلنة من بعض قضايا الشرق الأوسط ،اللحاق بركب عملية السلام في المنطقة أو عدم معارضتها على اقل تقدير ، و أخيراً أجراء انفتاح تدريجي في سياسة حقوق الإنسان و الديمقراطية.


ويعتقد المراقبون أن إيران غير مستعدة لتقديم أي تنازلات سوى ما يخص الملف العراقي ، وحتى في هذا الملف إذا ما توصلت إلى اتفاق مع الجانب الأمريكي فان هذا الاتفاق لا يتجاوز محاولة تهدئة الأوضاع في الجنوب العراقي مقابل فرض المزيد من العزلة على أهل السنة. وهذا أيضاء إذا ما تم فانه سوف تكون له آثار سلبية على إيران في العالمين العربي والإسلامي.


لذا فان هذه المفاوضات ، وكما يرها المراقب إنما هي فعل تكتيكي من قبل كل الطرفيين لتجنب الضغوط الداخلية والخارجية. خصوصا وان الجانب الايراني يحاول من خلالها تخفيف الضغوط الناشئة عن قرارات المقاطعة الصادرة عن مجلس الأمن وتحاشي قرارات مستقبلة. أما بالنسبة للإدارة الأمريكية فهو السعي لتخفيف حدة الأزمة الأمنية في العراق والحد من ضغط الكونغرس و فرصة لفرض المزيد من الضغط على إيران.

صباح الموسوي
رئيس المكتب لسياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي