في غياب القانون وقيم العدالة والحرية والعمل المؤسسي، يأخذ الطغيان مداه السلطوي السياسي والإقتصادي والوطني ويخرج من إطار العقل والمعقول ليدخل فضاء الجهل والمجهول والفردية والعبودية وامتهان إنسانية شعب بدون حدود، ويحشر الشعب في نفق مهزلة المضحك المبكي، وأوضح تجلياتها في سورية،هو هذا التكرار المقيت لعملية التزوير التي تتم منذ عشرات السنين تحت لافتة الإنتخاب أو الإستفتاء ومايرافقهما من حملات تشويه وتصوير أن الشعب له رأي وهو صاحب القرار في هذه العملية التي تنعدم كافة متطلباتها القانونية والإجرائية والأخلاقية في سورية.

وفي غياب التأشير الواضح والصريح على إصرار النظام السوري على اتباع هذه الآلية المشوهة في استمراره في الحكم وجعلها قاعدة سياسية ثابتة لتغليف نظام قائم على الفردية وعلى الفساد والقمع وتخفي وراءها أزمة مجتمعية هي في أهم محدداتها أهلية بل وطائفية تتعلق بحكم الأقلية في سورية وتهميش الأكثرية، والخطير في الموضوع أن السلطة في سورية حصرت كل إمكانيات الدولة المادية في يد أقلية فاسدة تنهب وتخرب وتعيق تطور مجتمع بأكمله وتستغل برعونة إمكانيات الدولة لتثبيت التزييف والصراخ بالأهداف الكبرى وهي لم تستطع أن تنتج لنصف قرن سوى الفساد والقمع وتمزيق الشعب وإفقاره وتفتيت وحدته الوطنية والتخلف عن العصر.

وفي فرض أحادية النهج وأحادية الولاء مارس المتسلطون على الحكم بدعة احتكار الحياة السياسية والإقتصادية والدولة بشكل عام وأصبحت كل فعاليات المجتمع مرتبطة قسرياً بهذا النمط الفردي العائلي الذي يملك كل إمكانيات الدولة المادية والمعنوية وعلى رأسها الجيش والأجهزة الأمنية وثروة البلاد، وضمن حالة من الصلاحيات المطلقة في شتى المجالات حتى إبادة الشعب وتدميره واعتقال مفكريه ومثقفيه وسياسييه وكل الأحرار الحريصين على كرامتة وإنسانيته، ناهيك عن السيطرة على موارد الدولة ومؤسساتها الإقتصادية والإنتاجية وحصار الشعب بين مطرقة القمع وسندان الحاجة لأدنى متطلبات الحياة المادية ولانقول السياسية،لأن الثانية ألغيت من حياة الشعب وأصبحت من المحرمات التي يعاقب عليها قانون النظام الأكثر تخلفاً من شريعة الغاب.

وفي مفارقات القدر السياسي في تاريخ سورية الحديث هو تثبيت حالة العقم السياسي والوطني التي ظهرت مع رحيل الديكتاتور الأب والفراغ الدستوري شكلاً والسياسي مضموناً والإثنين نهجاً، المفارقة التي تلخص آلية عمل النظام بأكمله واستراتيجيته البعيدة بكامل مداها، والمفارقة الغريبة أن حزب سياسي يطرح شعار النهضة والوحدة العربية وتحرير فلسطين وقد مضى عليه في السلطة نصف قرن وأنفق أكثر من نصف ميزانية سورية التي تعد بالمليارات على التنظيم الداخلي للحزب وأجهزته المختلفة وكل الواجهات النقابية والسياسية التي تتفرع عنه وخرج مئات الألاف من القيادات الحزبية بناءً على جداول مؤتمراته وإحصاءاته القطرية والقومية، لم يستطع وقت الحاجة أن يقدم فرداً حزبياً واحداً بديلاً يخلف الديكتاتور الأب يتماشى مع الدستور الداخلي للحزب نفسه ويتوافق مع الشكل القانوني الشرعي الذي ينص عليه الدستور السوري وهو دستور النظام نفسه، وكانت اللحظة الفاصلة بين مرحلتين في تاريخ النظام السوري، الأولى كانت ترفع شعارات الحزب شكلياً وتستمد منها بعض شرعيتها السياسية التي مكنتها من السيطرة على مراكز القوى في الدولة ووفرت له الغطاء والدور، وانكمش الحزب وضمرت أهدافه وتيبست عروقه وتحجرت بنيته وتقلصت قيادته لتصبح على قياس فرد أعلن طغيانه على الجميع، والمرحلة الثانية مرحلة تعطيل الدستور والقانون والحزب والدولة وفرض الإبن الوريث رئيساً من قبل الآلة القمعية الفاسدة المرتبطة مصيرياً باستمرار النظام ببعده الفردي الطائفي.

باختصار القول: أن من يحكم سورية ليس له وصف أو تصنيف سياسي وأن ماجرى بتاريخ 27 ايار 2007 ليس له وصف سياسي أيضاً وهو أقرب إلى المضحك المبكي، ورغم ماتوحي به العبارة من تناقض وتنافر فهو أقرب توصيف لحالة أقلية تحكم سورية خارج سياق المنطق والوطنية والإنتماء، ورغم حرص النظام وأجهزته على إخراج الصورة بولائها المطلق لفرد، بمعنى غياب الحاضنة القانونية الشرعية، وتغييب آلياتها الإنتخابية المعروفة في كل النظم الديكتاتورية والديموقراطية، واحتكار الترشيح لفرد ومنع المنافسة وفرض أن تكون عملية إدلاء الرأي علنية أمام شرطة النظام وإجراء العملية في يوم عمل رسمي خلافاً لكل الأعراف في العالم كله ومرافقتها بكل هذا التزييف بإجبار الشعب على الرقص وإهانة كبرياؤه الوطني وتقزيم هامته ومسخ شخصيته وإظهاره بأنه من عبدة الأفراد وبهذه الصورة غير الحضارية والتي لاتمت إلى العصر ولا إلى تاريخ الشعب السوري بصلة، والنظام الفردي الذي حكم سورية بالحديد والنار واقام الدنيا وأقعدها،أصبح اليوم يجلس القرفصاء ويتسول البقاء، وهو قد استنفذ كامل مداه الزمني والقمعي والتشويهي، وبلغ أسوأ درجات الفساد في تاريخ الحكم الجمهورلكي الذي عرفه التاريخ، واستخدم كامل قوته في الداخل والخارج، ولعب دوره إلى النهاية، واستهلك كل علاقاته الداخلية والخارجية المنظورة والمخفية، وهو الآن يراوح منهكاً في نهايته العظمى، ومهزلة الإستفتاء الأخير هي مراوحة على حافة الهاوية، واجترار لمنهج فاشل في كل مسار، والصورة التي رافقت الإستفتاء متناقضة شكلاً ومضموناً، استفتاء، المضحك فيه هو هذا النظام والمبكي فيه استمرارالمراوحة والمراوغة على هذا المنوال بعض الوقت الذي لايقرأ خطورته النظام أبداً، الوقت الحرج سورياً وعربياً ودولياً...وسورية ليست في الواق الواق الذي يظنه النظام...بل تجلس على فوهة وضع داخلي وإقليمي ودولي بعض صفاته الإنفجار والإنشطار...!.

د.نصر حسن

28/05/07