إلى حد كتابة هذه الأسطر؛ يُعتبر المعتقلون في محاولات التفجيرات الفاشلة في لندن وفي مطار غلاسغو؛ مجرد متهمين إلى أن يبث القضاء البريطاني في أمرهم.

لكن إذا استعرضنا حيثيات المؤامرة الإرهابية التي لولا الحظ والحظ فقط الذي أفشلها لكانت خسائرها البشرية بالآلاف خصوصا في ملهى تايغر تايغر الليلي قرب ساحة بيكاديلي حيث كان بداخله وقت محاولة تفجير السيارة مالا يقل عن ألف شخص ؛ إضافة على الكم الهائل من المسافرين الذين يمرون عبر مطار غلاسغو يوميا.

سمعتُ من بعض المتزمتين أن مرتادي الملهى كفارٌ يستحقون الموت وهم سكارى!!وسمعت كما قرأت لبعض الكتاب العرب ( المرموقين!) أن كل ما يجري مجرد مؤامرة لإعطاء حكومة غوردن براون الجديدة صلاحيات أكثر لاعتقال المسلمين! كما طرحوا أسئلة سطحية منها: لماذا لم تنفجر قارورات الغاز داخل سيارة احترقت بالكامل؟ وهذا سؤال لو طرحوه على المختصين لأجابوهم بسهولة! لأن الغاز يوجد داخل قارورة حديدية والنار لم تصل إليه؛ وما إلى ذلك من أسئلة تنم عن الجهل بالخطر الإرهابي المستلهم من إيديولوجيا تكفيرية هستيرية حقيرة؛ تُحلل قتل الأبرياء؛ وتُعظم من شأن المجرمين؛ وتدعو إلى قتل ليس فقط غير المسلمين وإنما كل من لا يتفق مع ذلك التفكير الظلامي الأعمى.

ثمّنتُ كثيرا موقف المجلس الإسلامي في بريطانيا من تلك العمليات ؛ إذ أدانها في مؤتمر صحافي واعتبر كل من يريد قتل الأبرياء عدوا لبريطانيا وللإسلام بالدرجة الأولى ؛ فيما دعا المجلس إلى وقفة شجاعة لكل أئمة بريطانيا وزعماء الجالية يوم السبت القادم في الجامع الكبير في ريجنت بارك وسط لندن؛ للتنديد بهذه الأعمال؛ وللعمل مع السلطات البريطانية لاجتثاث الأفكار الهدامة من مناهجنا وخطبنا وأسلوب حياتنا.

غزوة الدكاترة والمتعلمين التي استهلها المصري محمد عطا في تفجير البرجين عام ألفين وواحد ؛ ستتواصل: لأن مناهجنا تحقن الأطفال منذ نعومة أظافرهم بكره الآخر ؛ ولأن ممثلينا وزعماءنا يمسكون العصا من الوسط ولا يحرمون بصراحة الإرهاب في كل مكان وزمان وبأعلى صوت ؛ فلا عجب أن يكون أغلبية المعتقلين في لندن وغلاسغو ؛ دكاترة ومتعلمون وهذا يُثبت أن التكوين العلمي الأكاديمي البحت ؛ لا يمكنه أن يقف حاجزا دون تسلل إيديولوجية تورا بورا إلى الجامعات والمخابر و المؤسسات التعليمية! غزوة الدكاترة ستتواصل وسيدفع الإسلام كديانة؛ والمعتدلون كأشخاص ؛ ثمن تصرفات حفنة شاذة.

لقد بدأت الصحف اليمينية تحذر من تسهيل دخول الأجانب إلى بريطانيا ؛ بحجة أن المشتبه فيهم ( أقول وليس الفاعلون) خريجو جامعات عربية وأجنبية ؛ أُعطيت لهم الفرصة لتطوير خبراتهم وتعمير جيوبهم ؛ لكنهم تحولوا إلى أعداء يتربصون بالبريطانيين الذين قدموا لهم الجميل!

وحسب الإحصاءات فإن ألفي دكتور وعامل بمجال الصحة من العراقيين مُنحت لهم إجازة عمل في المستشفيات البريطانية؛ إضافة إلى خمسمئة أردني؛ وألف إيراني ؛ وعشرات الآلاف من الدول العربية والإسلامية.

إننا أمام آلة جهنمية تأكل الأخضر واليابس وسنخسر كثيرا إذا وقفنا صامتين أمام هذه الأعمال ؛ وبررناها تارة باسم القضية الفلسطينية وطورا باسم العراق ؛ فليس هناك ما يبرر قتل المدنيين العزل.

سليمان بوصوفه