حرب تموز 2006م المليئة بالصور المتعددة للانتصار والبطولة والتفاعل والاتفاق والاختلاف والخيانة، والمؤلمة من حيث حجم الخسائر في الأرواح والماديات، تمثل عودة لروح الإباء والشموخ والعزة والكرامة والبطولة للشعب العربي حيث تحقق عبر هذه الحرب أول انتصار للشعب العربي على دولة إسرائيل (إسرائيل التي تحتل الأراضي العربية تمارس يوميا جميع أشكال التنكيل والتعذيب على الشعب العربي الفلسطيني) في التاريخ الحديث الذي يشهد روح الانهزام والضياع والتشتت للشعب العربي. ومن لا يريد من العرب أن نقول انتصر العرب على إسرائيل.. نقول أول مرة تهزم إسرائيل، ومن لا يقبل أن يقال هذا الكلام عن دولة إسرائيل الغاصبة، نقول أول مرة تفشل إسرائيل بتحقيق انتصار على العرب، وان يتعرض العمق الإسرائيلي للضرب بالنار، وان يشعر المواطن الإسرائيلي بالخوف والرعب وهو في داخل بيته... كما كانت تفعل إسرائيل طوال تاريخها بالعرب.


عجيب إصرار بعض العرب على الاعتراف بفشل إسرائيل.. بالرغم من اعتراف إسرائيل بالفشل الذريع الذي أدى إلى زلزال داخلها، وتشكيل فريق تحقيق ومحاسبة للحكومة الإسرائيلية مؤديا إلى سقوط بعض الرؤوس فيها!

بلا شك إن حرب تموز كان من المفروض أن لا تقع لأنها حرب. والحرب تؤدي إلى خسائر فادحة في الأرواح والماديات من كل الجانبيين....، وليس هناك من يقول انه عاقل يسعى إلى حرب.
الحرب ليست رحلة للنزهة والفرح، فالحرب دمار ودماء وقتلى وجرحى وخسائر فادحة، وليس هناك من يريد الحرب والدمار، ولكن عدم حب الحرب لا يعني الاستسلام والرضوخ لإرادة العدو المغتصب المحتل، الذي يريد أن يفرض أجندته على شعوب المنطقة عبر فرض واقع معين سعى إليه بالقوة والتدمير والحروب والإرهاب بأنواعه، وبمساعدة القوة العظمى وخيانة البعض، ولا يزال يسعى إليه بالتلويح بقوته وغروره بأنه قوة لا تقهر.

فمن حق صاحب الحق أن يطالب بحقه، وان يدافع عن كرامته، وان يبذل كل ما يستطيع من اجل استعادة حقه بالطريقة التي تتناسب مع طبيعة العدو... فكانت عملية أسر الجنود للمساومة على استعادة الأسرى العرب في السجون الإسرائيلية...، ولكن دولة إسرائيل المتغطرسة بأنها القوة العظمى في المنطقة التي تخوف وترعب وترهب الآخرين وتقوم بما تريد... ليس من حق أي كان أن يمارس معها أسلوب الفرض... لم تقبل بما قام به شباب المقاومة في لبنان فشنت حربا ضروسا مجنونة بجميع الأسلحة ومنها المحرمة مدعومة من دول الغرب وعلى رأسها أمريكا، وبضوء اخضر من قبل بعض أنظمة المنطقة التي ترى في وجود مقاومة قادرة على قهر عدو العرب هو فضيحة لها.

القوة الإسرائيلية التي لا تقهر قهرت خلال حرب تموز، والغرور الصهيوني الوهمي.. انكسر بصمود أبطال شباب لبنان في الجنوب، وكشفت الحرب الوجه الحقيقي لبعض الأنظمة العربية التي وقفت مع قوة الاحتلال والعدو ضد الجنود الأبطال العرب وضد إرادة الشعوب العربية التي تفاعلت مع انتصار رجال المقاومة.

حرب تموز بالرغم من الأوجاع والآلام والخسائر التي خلفتها للبنان بسبب صمود أبنائه هي نتيجة طبيعية في الحروب أمام عدو لا يحترم القوانين ولا يتصف بالمشاعر الإنسانية ولا يميز بين المحارب والمدني والصغير والكبير، وبين البشر والشجر والحجر... برغم كل ذلك إنها إعادة روح ونشوة الانتصار للشعوب العربية والشعور بالقدرة على مواجهة قوة الاحتلال... وإعادة للشعوب العربية روح التفاعل والدعم الشعبي بعيدا عن الأنظمة.

أما بعض الأنظمة فقد شعرت بالخطر على بقائها بسبب تفاعل الشعوب العربية مع انتصارات المقاومة وفشل العدو الإسرائيلي بتحقيق مكاسب.. حيث حاولت الأنظمة امتصاص هذا التفاعل واللعب على وتيرة الطائفية والتقليل من حجم الانتصار، والبعض سعى إلى منع أي مظهر من مظاهر التفاعل، وفي بعض الدول خرجت فتاوي دينية تحرم التفاعل مع الانتصار العربي!.
من الغريب أن يحدث ذلك في ظل اعتراف العدو الإسرائيلي بفشله في الحرب ومحاسبة المقصرين!

ألا يستحق أبطال حرب الانتصار العربي الإسلامي في تموز التقدير والاحترام والدعم المعنوي والمادي والإعلامي؟
من صالح من قتل روح الانتصار العربي لدى أبناء الشعوب العربية والإسلامية؟

علي آل غراش