سنن الله في كونه وقضاءه في خلقه أمر يخصه وحده سبحانه وتعالي وليس لنا أمام أي منهما إلا الرضا والقبول بما سطره قضاءه وبما خطه في كتابه منذ الأزل على حاضرنا ومستقبلنا وكل أمورنا، ولا يبقي لنا كبشر بعد نفاذ هذه السنن إلا المرارة والحسرة التي لا شفاء منها إلا بمزيد من التواصل معه جل وعلا..
واريت التراب منذ أيام معدودة جثمان زوجة إبني الدكتورة سها جابر عصفور التي لبت متسرعة نداء ربها بينما كنا جميعا ndash; حتى الأصدقاء والأقارب والمعارف ndash; نستعد لكي نحتفل معها بقدوم أول ثمار هذه الزيجة الطيبة..


كانت الأمومة مطلبها وحلمها في الدنيا، وبحملها لطفلين لقيت ربها وهي تقدم وثيقة استحقاقها لمرتبه الذهاب إلي الجنة.. والتمتع فيها بالمكانة التي بشر بها النبي صلي الله عليه وسلم الأمهات..
علي امتداد اشهر قليلة ndash; بعد أن عرفنا بحملها - رسمت علي شفانا كل المعاني الجميلة وأفسحت لمشاعرنا الفياضة أن تتدفق وأشاعت بيننا البهجة وتركتنا ننسج الحكايات ونسطر المقدمات ونستخلص النتائج ونطلق المسميات.. كم اقترحنا في القرب وعلى البعد من أسماء لصبي وصبية.. وكم استمعت وهي راضية أو عصية مستسلمة أو مستنكرة.. كم ضحكنا من كم الدلع المنتظر من الجدين والجدتين على عكس ما تريد هي وزوجها.. وكم جنح بنا ndash; نحن جيل الأباء - الخيال والتمني، وكم أراحتنا ndash; هي - بالقبول الرافض وكم أبدت من رضا مصطنع..


كنت علي يقين أن رضاها وقبولها لما نرغي به ونزبد ليس إلا هروبا من أفكارنا البالية التي هي عليها متمردة، فهي لا تستسلم إلا للمنطق والحجة والرهان..
وكان الشك يخامرني ndash; دون أن المح لها أو يبدو في حديثي ما ينم عن استكشاف لخططها - أنها ترتب بينها وبين وزوجها لمجموعة من قواعد التربية والتنشئة التي يرينها مثلهم في ذلك كمثل جيل الأبناء افضل مما تربينا عليه نحن جيل الأباء..


وكنت أقول في نفسي مستسلماَ هذا حقهما..
وكنت أوطد النفس على الرضوخ لما تنويه هي وابني من نظام وحسم..
ولم تكن هي تدرى ولا كنا نظن للحظة واحدة أنها ماضية في تصميمها على رأيها بالانفراد بطفليها هناك في الجنة.. وهل من مكان افضل من ذلك للتربية التنشئة مع الأبرار والصديقين والشهداء الذين تحفهم الملائكة!!..

الدكتور حسن عبد ربه المصري
* استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا
[email protected]