من المظاهر الإعلامية المميزة التي تميزت بها الساحة الصحافية العراقية بعد سقوط النظام البائد، ظاهرة المطبوعات المتعددة والفضائيات والراديوات المتنوعة الموجهة للشارع السياسي والرأي العام لتمنح القاريء والمشاهد والمستمع العراقي جرعات متنوعة من الأخبار والتحقيقات والتحليلات التي تخص جوانب متعددة من الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية للعراقيين، ومعلوم أن أكثر الوسائل الإعلامية هي عائدة بصورة مباشرة وغير مباشرة الى الأحزاب السياسية والحكومة، وهي مطروحة بمستويات مختلفة من أداء الفن الصحافي والإعلامي ومقومات الحرفة المهنية.
والتعامل مع هذه الوسائل يتطلب كما هو معلوم خبرة وكفاءة وتجربة ورؤية محنكة لتجهيزه برؤية إعلامية خبرية صحيحة نابعة من الموضوعية والمهنية والحيادية، وفي الظرف العراقي يحتاج هذا التعامل الى عامل آخر هو الحكمة والمسؤولية الحريصة على تقديم وتناول الإعلام بشكل لائق يتناسب مع متطلبات المرحلة التي يمر بها العراق، إضافة الى التعامل بكل مصداقية مع الحدث الإعلامي خاصة وأن الساحة العراقية مليئة بوسائل إعلامية غربية رائدة تستند في طرحها الخبري الى المصداقية ونقل الحقيقة بصورتها الميدانية.
ضمن هذا السياق، يأتي دور المكاتب الإعلامية للجهات الرئاسية والحكومية والبرلمانية في العراق في الواجهة المباشرة لتزويد الرأي العام بالخبر الصحيح عن التصريحات والنشاطات والجولات السياسية للشخصيات الرئاسية والحكومية، لطرح رؤية حقيقية عن مفردات العملية السياسية العراقية التي تجري وفق مسارها الزمني الجاري لإعلام العراقيين بكل ما يستجد وبكل ما تشهدها الساحة من حوارات وإنجازات وقرارات على كافة الأصعدة الحكومية.
ومن باب الإنصاف والحقيقة، فان الوسائل الإعلامية العراقية التي أخذت طريقها الى الحضور على الساحة، لا تقارن بأي حال من الأحوال مع الإعلام السائد في المنطقة، خاصة منها العربية، حيث تمكن النموذج العراقي من خلق قدوة إعلامية مميزة في مجال حرية التعبير بفضل الواقع الذي يشهده البلد، واقع متسم بالديمقراطية والتعددية الحزبية والتنوع السياسي، مما سمح بتوفر مساحة إعلامية جيدة لحرية التعبير والتعبير عن الرأي الخاص والعام بكل حرية، ولكنها مع هذا لا زالت بعيدة عن نشاطات الرأسمال المستقل ولا زالت بعيدة عن الاستخدامات المهنية المتعلقة بنقل الحقيقة بموضوعية وحرفية مستقلة واستخلاص استطلاعات الرأي العام بحسابات ومعايير دولية موثوقة ومتقنة.
انطلاقا من هذه الحقائق المجردة والإقرار بأن المنطقة تحوي أنماطا صحافية متعددة، فان تعامل الرئاسة العراقية برئيسها ومكتبها مع المهام الإعلامية والصحافية، الذي اختير له سلف فاشل وخلف غير معروف لا في الوسط الإعلامي ولا الصحافي - وعلى ما يعتقد أنه اختير وفق نظام المحاصصة والمقاربة الحزبية والمحسوبية والمنسوبية الشخصية الجارية في العراق وفي إقليم كوردستان - لم تكن بالمستوى المطلوب إطلاقا ولم تكن بمستوى المرحلة التي تمر بها الدولة العراقية، وعلى عكس دوره فان إعلام الرئاسة العراقية المرتبط بالرئيس جلال طالباني يعاني من مشاكل متعلقة بالمهنية والموضوعية في بيان الرؤية الحقيقية المناسبة للرئاسة التي تشكل أحد ركني السلطة التنفيذية مع الحكومة المنفصلة عن السلطة التشريعية.
ولكي تتسم رؤيتنا هذه وتقييمنا بالشفافية والموضوعية، فإننا نستعرض أهم السلبيات التي ترافق الجهاز الإعلامي للرئاسة العراقية بإيجاز من باب البيان والمعلومة الحيادية، علما أن هذا التقييم لا يعني إننا نريد توجيه الإساءة الى هذا الجهاز الإعلامي الرئاسي، ولكن حرصنا على تقييم واقعنا العراقي والكردستاني بسلبياته وإيجابياته يحتم علينا تقديم هذه المشورة المتواضعة، ومن باب التذكير فان ايجابيات الحضور الحكومي غير محسوس وغير ملموس في واقع التماس المباشر بحياة العراقيين، والسلبيات هي:
** إسناد مكتب الرئيس جلال طالباني الى شخصية كان من أبرز محرري مجلة quot;التضامنquot; التي كان يصدرها الصحفي فؤاد مطر الذي كان بوقا إعلاميا وصحفيا مقربا من رئيس النظام السابق صدام حسين،، المحال على التقاعد حاليا وهو المقيم في خارج العراق،.
** إسناد المكتب الى شخصية غير معروفة بتاتا لا في الوسط السياسي ولا في الأوساط الإعلامية والصحافية والثقافية على المستويين العراقي والكردستاني، لا كإداري ولا كسياسي ولا ككاتب ولا كصحفي ولا كإعلامي، وهو مقيم أيضا في الخارج، وكأن البلد خال من المؤهلين لإدارة هذا المكتب الإعلامي.
** إسناد مسؤولية المكتب الى شخصيات مقيمة في الخارج، غير متسمة بالكفاءة والخبرة والتجربة الإيجابية، وفق معايير المصلحة والسياقات الشخصية والحزبية والمحسوبية والمنسوبية، وكأن الرئيس جلال طالباني يريد ان يثبت لنا ان العراق وإقليم كردستان خاليتان من شخصيات إعلامية وصحافية وكوادر مؤهلة لأداء مثل هذه المهام، لذا فان استعانته بمن دب وهب في الخارج هي لحسابات ومصالح شخصية وحزبية لا علاقة له بالأداء الدستوري والأخلاقي والإعلامي للرئاسة.
** تفريغ المكتب من مسؤولياته المهنية والأخلاقيات الصحافية تجاه بيان الحقائق والأمور وتحليل الأحداث المرتبطة بالوقائع اليومية في العراق، وعدم تسليط الأضواء على مجريات الوقائع العراقية وفق المسايرة الحدثية الخبرية الجارية لبيان وتفسير الأحداث الجارية في حياة العراقيين في كافة المجالات السياسية والمعيشية والاقتصادية والاجتماعية، وكأن ما يجري في العراق في وادي والمكتب الإعلامي للرئاسة في وادي آخر.
** عدم المتابعة للنشاطات والبرامج المنفذة للوزارات العراقية التي باتت تدار وفق أهواء شخصية وحزبية وعائلية وكأنها منابع للنهب والاستغلال والاحتكار لمسايرة وإدارة المصالح الشخصية والمنافع الذاتية.
على العموم هذه المكاشفة الإعلامية للجهاز الإعلامي للرئاسة العراقية، أردنا بها أن نسلط الضوء بشكل موجز على مصدر إعلامي حكومي رئاسي يتميز بأن لا دور له ولا مهمة أخلاقية في المساهمة بصورة فعالة في تقديم أداء إعلامي وصحافي مميز للعراقيين للتعامل مع الأحداث بروية وحكمة وموضوعية للمساعدة على فهم الوقائع بعقلانية للمشاركة الفعالة في استتباب الأمن والسلام وفق رؤية واضحة وبينة لغرز ثقافة اللاعنف في الواقع العراقي لخدمة حاضر الأمة ومستقبلها لضمان حياة لائقة لأبناء هذه الأمة القديرة والجديرة بحياة حرة كريمة.
د.جرجيس كوليزادة
[email protected]
التعليقات