بعد وفاة الرسول الأعظم مباشرة بدأ الخلاف حول من يكون خليفة له. واستمر هذا الخلاف وسيستمر لحين يوم يبعثون. كان عهد الرسول عهد تأسيس لدين جديد يعارضه معظم الناس ولكل سببه، منهم من
اخذه الحسد من ظهور النبوة فى بيت بنى هاشم وليس فى بيت ابى سفيان (مثلا). ومنهم من ساءه ظهورها فى قريش. ومنهم من خاف على ثرواته وسلطانه ان يسلبهما منه الدين الجديد.

توفي الرسول ولم يخلف وصية مكتوبة ولا قرآن مكتوب ولا أحاديث مسطورة. وبعد جدال اتفق الأكثرية من الحاضرين على ان يكون ابا بكر(رض) هو الخليفة، وبعد أقل من عامين أمضاى معضمها فى حروب الردة، مات بالشيخوخة، وكان قد اوصى بالخلافة لعمر بن الخطاب (رض) الذى ثبت أركان الاسلام وتوجه الى الفتوحات ففتحت على عهده العراق والشام ومصر. كان من أثر تلك الفتوحات ان زادت ثروات القادة العرب الفاتحين الى حد لا يصدق واشتد التنافس فيما بينهم حتى ان بعضهم عاد الى معاقرة الخمروالاكثار من الجوارى والخدم والعبيد، وهو ما يطلق عليه فى هذه الأيام ب(الفساد).

ثم نكب المسلمون باغتيال خليفتهم العادل، وبدأ بعده عهد القلاقل والفتن التى تميز بها عهد الخليفة عثمان بن عفان (رض) حيث قرب وانعم وأحاط نفسه بذوى قرباه من الأمويين وتجاهل غيرهم، مما أثار نقمة الناس عليه وقتلوه ظلما وعدوانا وهو يقرأ القرآن، فكانت الجريمة الكبرى التى جرت على المسلمين المصائب ووضعت اللبنة الأولى لتفرقتهم. لم يجد المسلمون خيرا من الامام علي (كرم الله وجهه) ينصبونه خليفة عليهم، فقبل على مضض فقد كان يدرك وعورة الطريق ومشقة المسيرة ولا يجهل ما كان يبيته الأمويون وغيرهم من الراغبين بالاستيلاء على الخلافة، فكانت فترة خلافته من أحرج ما مر على المسلمين، وأصيب الاسلام بنكسة كبرى حينما قتل وهو يصلى الفجر فى مسجد الكوفة. ولم يشأ ان يستخلف أحدا من أولاده او غيرهم للخلافة بل ترك ذلك للمسلمين ان يقرروه.



استولى الأمويون على الخلافة وجعلوها ملكا محصورا بهم، وكان القتل مصير كل من عارضهم، فقتل معاوية ابن ابى سفيان الحسن بن علي بالسم خشية من منافسته على الخلافة. كان حكم معاوية دنيويا وليس دينيا كما كان فى عهد الرسول والخلفاء الراشدين، ولم يمنعه دين او حديث عن تنفيذ مآربه التى تتعارض مع الاسلام، بل سخر الدين وحفاظ الأحاديث ومزوريها لخدمته ولم يكن يبخل بالمال او المناصب لمن آزروه. وبدأ عهد المجون والاستخفاف العلني بالدين حينما تولى يزيد الملك، فقتل الحسين بن علي وسبى أهل بيته وساقهم الى الشام، وضرب الكعبة بالمنجنيق. وهكذا كان حكم الخلافة الأموية فيما عدا فترة قصيرة حكم فيها عمر بن عبد العزيز الناس حسب الشريعة الاسلامية.



جاء بنو العباس بعد ان ضعفت الدولة الأموية، وافتتحوا عهدهم بالمذابح وقتلوا خلقا كثيرا ولقب اول حاكم منهم (خليفة) بالسفاح. وقلدوا الأمويين فى كل شيء تقريبا ما عدا تقريبهم لغير العرب ومنحهم سلطات واسعة. الغدر كان من شيمة العباسيين وكانوا يقتلون على الشك. كان عهدهم عهد مجون يفوق عهد الامويين، فاقتنوا الجوارى والغلمان بالآلاف، أما السكر والعربدة فهى من الأمور المألوفة فى قصورحكامهم (الخلفاء)، بينما الناس يتضورون جوعا، ويقتتلون بحجة الطائفية الدينية و(الخليفة) يرفض فتح خزائنه لتمويل جيشه بدلا من احاطة نفسه بما لا يقل عن ستة آلاف جارية وغلام فكان تلك الأسباب الحقيقية التى ادت الى سقوط بغداد بيد المغول.



أما الخلافة الأموية فى الأندلس، والفاطمية فى شمال أفريقيا، فكلتاهما انتهتا لنفس الأسباب
التى انهت الحكمين الأموي فى الشام والعباسي فى بغداد. تبع ذلك (الخلافة) العثمانية فكانت أسوأ من سابقيها الأربعة، فقد دأب الحكام على حكم الناس بالنار والحديد، ولكنهم لم يبخلوا فى بناء الجوامع المترفة، لأيهام الرعية بأنهم مسلمون. وأخيرا سميت دولتهم ب(الرجل المريض)، ونشبت الحرب العالمية الأولى وانحازوا الى الجهة الخاسرة، فخسروا كل مستعمراتهم وتخلصت البلاد العربية من حكمهم بعد ان استعبدوها عدة قرون.



تغير الزمان وتفتحت العقول ودارت عجلة الأزدهار والتقدم وشمل معظم أنحاء العالم، وتخلف ركب المسلمين والعرب لعدم رغبة البعض منهم فى التخلى عن مبادىء الأجداد( العظام) وعزوا اسباب التخلف الى تخلى الأكثرية عن الدين اوعدم الألتزام كليا بتعاليمه. وأخذ يظهر بينهم متشددون يحرمون كل شيء ويضعون قواعدهم لكل شيء وكأنهم يفوقون نبيهم وخالقه علما. يوهمون الناس انه (لاحل الا بالاسلام) وان التشريعات الموجودة فى القرآن هي التى يجب ان تسود وهى تكفى ولا يجوز المس بها. وأخذوا يرهبون الناس ويسلبون كرامتهم ويسرقون أموالهم ويقتلون كل خير فيهم. يثيرون الفتن فى العراق ويمزقون اهله،وعم الخراب والدمار والجوع والعطش. البطالة تلجىء البعض الى ارتكاب الجرائم أو حتى الانضمام الى الارهابيين لقاء مبالغ زهيدة لسد رمقهم. يقتلون الناس فى بيوتهم وفى المدارس والمستشفيات و الأسواق وخربوا بيوت الله واستخدموها للتخفى وجمع السلاح وتخريج الارهابيين، فهم يدركون جيدا انهم لا يمكنهم العيش الا وسط الفوضى والأضطرابات. أخذو يعلنون عن تأسيس امارات اسلامية هنا وهناك تمهيدا لما يطلقون عليه (دولة الخلافة الاسلامية)، وانضم اليهم حثالات الناس وأسافلهم ولكل منهم غايته الخاصة، ولبس فجار امس ملابس التقوى والزهد ليخدعوا الجهلاء والأغبياء من الناس، وفعلوا أفاعيل مما لم يفعلها حتى هولاكو فى زمانه.



دولة الخلافة التى يدعون اليها، سيكون فيها كل شيء حلال لهم وحرام على الآخرين كما فعل
اسلافهم من الاموييين والعباسيين. ولكنه كان زمان مضى وانقضى، فان كنتم تفوزون اليوم بارهابكم فان غدا سيسحقكم سحقا ولن تقوم لكم ولا لدولتكم المزعومة قائمة، وكل آت قريب.



عاطف أحمد العزي