دعك من جورج بوش الأب وquot;نظامه العالمي الجديدquot; الذي أعلنه عام 1991، ودعك من إبنه (دبيا) quot;وخطة الشرق الأوسط الكبيرquot; التي تلاها نيابة عنه على العالم في 2003 وزيره خارجيته آنذاك كولن باول، ودعك من بن لادن والظواهري ومقتدى والسيد حسن وما تبقى من القومجيين العرب، وما بين هذا وذاك، وكل ما تحمله خطاباتهم من أكاذيب وأوهام quot;أمة عربية ndash; أوإسلامية- واحدة.quot;
فمن ناحية، لا يمكن لديموقراطية الغرب أن ترى النور- بقرار رئاسي أمريكي- في بيئة عشعشع فيها القمع ضد الفرد عشرات القرون، ولافي بيئة أعمتها شمولية التفكير، ومن ثم، الحكم بأسلوب قبلي بدائي غائص حتى الحواجب في النسخة الملمعة من ماضيه.
ومن جانب آخر، دار بنا رحى الخطاب القومي العروبي ردحا من الزمن، قبل أن يلتهمه مؤخرا الخطاب القومي الإسلامي، وكلاهما يقدم الوعود المؤكدة بالفردوس الأعلى لمن ينبطح طائعا راضيا بما يقدم من مشروع (عقد) إجتماعي/سياسي لديه الحلول لكل عاهة، من الأمية الى الفقر الى كيف تلبس وكيف تمشي وكيف تغتسل وكيف ومع من تنام. المهم أن تصغي وان لا تفكر، لأن تلك القيادات - من خلال مؤسساتها رسمية كانت ام غيرها- قد أخذت على عاتقها مهمة التفكير نيابة عنك أيها الرعيَة المدلل.
ثورة المعلومات التي نعيش انطلاقتها منذ بضع سنوات (وهي ثورة لا ناقة لنا فيها ولا جمل، ولو كان بيد عتاولة السلطة في عالمنا العربي أن يحجبوها لفعلوا، ولكن إرادة الله فوق كل شيء!!) ممثلة بشكل رئيسي في الإرسال التلفزيوني الفضائي وتلفون الجوال (الموبايل) وبشكل أعظم تأثيرا: الإنترنت، ستزلزل العقلية العربية وما توحي به من أعراف وقيم صمدت قرونا مثل الجبال الشامخة. سنرى، خلال جيل أو جيلين، تغييرا حقيقيا ينفض كل مفردات الديماغوجيا والدوغما وكل ما دار في فلكها من خطابات تدغدغ المشاعروتقدم الحلول والأجوبة القطعية لكل علامة إستفهام ونظرة تأمل. أزعم أن هذه الثورة ستحدث تغييرا يقلب أسفل العقلية العربية فوق رؤوس الحرس القديم، والجديد، وكل من تخيل أنه مالك للحقيقة، أوذرة منها.
هذه الثورة المعلوماتية العاتية تفتح آفاق وعوالم لا حدود لها، وبحجم يجعل كل ما عرفناه على مدى التاريخ الإنساني يبدو مثل قطرة ماء في محيط هادر. تأثيرها يلمس كل كائن وكل ثقافة على هذه البسيطة، لكن وقعها سيكون اكبر وأكثر دموية (مجازا وواقعا) داخل تلك الثقافات التي استعصت تاريخيا على الإنسجام مع الحاضر والتطلع للمستقبل، وآثرت، بل كابرت وأصرت على أن quot;الماضيquot; احلى، لأن الغد يوحي quot;بالتغييرquot; وهي مفردة، بالرغم من بساطتها، ترعب أعتى الممارسين للسلطة والتسلط ممن نصبوا أنفسهم أوصياء على الآخرين تارة بإسم الدين، وتارة بإسم الأمة أو الوطن، وأخرى بسلطة ونفوذ المال...الخ.
إنه موت quot;الثقافة السائدةquot; كما سماها احد أبرز منظري الثورة الرقمية الأمريكي كريس اندرسون، وهو موت، في حالتنا العربية، لثقافة وعقلية سائدة كان لابد لها أن تموت منذ زمن لتنبعث من تحتها حياة أكثر تطابقا وانسجاما مع الطبيعة البشرية.
*أكاديمي سعودي
التعليقات