إشهار الشاب أحمد حجازي إعتناقه المسيحيه تذكرني ببرنامج لاري كنج لايف الذي أذاعته قناة سي إن إن بعد ثلاثة أيام من أحداث 11 سبتمبر.. حيث دعا لاري كنج أربعة من علماء الأديان للنقاش حول كيف تحولت حرب نشر الأديان إلى حرب بين الشعوب لتقتل وتدمر البشر بإسم الله والدين.. و خلال النقاش سأل المذيع.. ماهو الله ومن هو وأين هو.. وتبارى المشاركون الثلاثه.. الحاخام اليهودي.. والقس المسيحي.. والشيخ المسلم في الإجابة ذاكرين صفات الخالق.. إلى أن جاء دور رجل الدين البوذي الذي لخص وصف الخالق في.... الله هو المحبة التي تؤلف بين قلوب جميع البشر بغض النظر عن دياناتهم وأجناسهم..والتي تجعلهم يقبلون الإختلافات الدينيه ويحترمونها حماية للكرامة الإنسانية لكي يعيش الجميع بأمن وسلام ..

وأتساؤل هنا.. المحبه التي هي الأساس في تطهير القلوب هل هي كافية لإحترام الكرامة الإنسانية.. كثير منا من يتشدّق بالمحبة.. ولكننا ننكرها حين نرفض الإعتراف فى المساواة في الفرص تحت تبرير كيف يمكن إئتمان غير المسلم في وظيفة تتصل بتطور وحماية المجتمع.. ناسيين حق الفرد في المواطنة وحرصه على الدولة كبلد ووطن للجميع والدليل على ذلك تصريح أحد قياديي الإخوان المسلمون في مصر خلال الأشهر السابقة أنه يفضل أن يحكم مصر أندونيسي مسلم وليس قبطي.. والآن ما نسمعه من دعوة السيد أمين الجميل خلال الأيام القليلة السابقة عن تكوين حزب مسيحي لحماية المسيحيين في لبنان.. ودعوة البعض من اللبنانيون لتقسيم لبنان على أساسات دينية.. عوضا عن مبدأ المواطنة.. كلها أقوال ودعوات تؤكد تخلف الدول العربية والإنتهاكات المستترة لحقوق الإنسان مرة تحت عباءة السياسه وأخرى تحت عباءة الجهل وفي الحالتين تحت خيمة الديانات..
فتحت تبرير عدم مساواة المسلم والمسيحي في قانون واحد حرم العديدون من أقباط مصر من المساواة في الفرص وحرم البلد من كفاءاتهم..وهو ذات الوضع في الدول العربية الأخرى.. تحت تبرير لا يتساوى المسلم بالكافر.. وبرغم التشدق بأن الدساتير المعمول بها تكفل مساواة الجميع إلا أن خضوع هذه الدساتير للتفسيرات الفقهية بما يعني خضوع القانون لهذه التفسيرات المستندة إلى الدين وإخضاع الجميع تحت عباءة التفسيرات والفتاوي الدينية كلها إنتهاكات لروح الدين.. وللإنسان...
وبالتالي أتساءل ما هو الأساس في حماية الكرامة الإنسانية هل هو الدين أم القانون
برغم تطور وتكثيف وسهولة إنتقال المعلومات التي من المفروض فيها زيادة الوعي.. بزيادة النقاش والحوار الحر.. شهدت السنوات العشرون السابقه حربا أخرى لإخضاع الإنسان هدفها الحقيقي الوصول إلى السلطة والتسلط بإسم الدين.. وأي من هذه الأديان أصلح لقيادة العالم.. تبارى المسلمون في نشر الدعوة إلى الإسلام على أنه الدين الوحيد الذي يملك الإجابة على كل متطلبات العصر ومشاكلة.. الإجتماعية.. والسياسية.. والثقافية.. وأساؤا تفسير تدفق الثروة النفطية على أنها هبة الله لهم وحدهم لإيمانهم.. وإستغلوها أسوأ إستغلال.. فبدل أن تستثمر في بناء هذه المجتمعات الفقيرة بالعلم والمعرفة لرفع مستوى الفرد الإنساني والعلمي.. استثمرت في بناء المدارس الدينيه مستغلة جهل وفقر هذه الدول لتصبح بؤراً لنشر أفكار الإسلام الراديكالي القتالي المتطرف.. تخرّج أكبر عدد ممكن من الجهاديين الذين لا يروا في الدين إلا رفض وإقصاء الآخر بدون محبة ولا رحمة.. وأن الدين عند الله الإسلام فقط..
وتبارى المسيحيون الجدد أيضا في التطرف والخوف على دينهم بتشجيع اليهود للرحيل إلى إسرائيل تميهدا لقدوم المسيح والذي وبحسب تفسيراتهم.. ستنتهي بعودته كل الأديان الأخرى لتكون المسيحية هي الدين الأوحد.. وإستمر التباري والتنافس والتسابق في نشر الديانات.. البعض إعتنق الديانة التي يراها مناسبة لإتصاله الروحي بالخالق.. والآخر إعتنق الديانة الأخرى لأنه تواجد في دول تؤمن بديانة اخرى وتحقيقا لإندماجه في مجتمعه الجديد..وآخرون إختاروا ديانة البوذية لعمقها الروحي وتقبلها للجميع.. ولكن ضجة التحول من ديانة إلى أخرى لا تحدث إلا في الدول الإسلامية.. يرافقها عمليات تحقير ودعوات إلى القتل كما هو حاصل مع أحمد حجازي الذي نادى البعض إلى تقطيع أيديه وأرجله.. أو صلبه على جذع شجرة لكي يكون عبرة لكل من لم يرضى بما كتب الله له من نعمة الإسلام... ضجة كبيرة ومرهقه للعقل وللنفس.. تعكس الفوضى المتعلقة بالتفسيرات الدينية التي وصل اليها المسلمون وعلماؤهم..ومدى التزمت الديني الذي جعل من الدين سجن كبير.. الخارج منه مفقود لا محالة...
إن اللغط القائم الآن بين العديد من علماء الدين حول مشروعية قتل المرتد أو التجاوز عنها درءا لما ستحدثه من ضرر أكبر على صورة الإسلام والمسلمين في العالم ستساهم بلا محالة بزيادة التشهير بهم وبالخوف الحقيقي من الإسلام.. تعكس تخلفا كبيرا لمجتمع في أمس الحاجة للحوار حول أمور أكثر أهمية من تغيير الدين لأن الدين علاقه خاصة وفردية بين الإنسان وخالقه.. هذه الفوضى والضجة الإعلامية تغطي على جوانب اخرى من الإنتهاكات تحصل في العالم العربي والإسلامي أكثر أهمية من مجرد أن يتحول شخص أو آخر إلى دين جديد.. ماحدث في مصر الأسبوع الماضي.. من وفاة الطفل محمد ممدوح عبد العزيز الذي لا يزيد عمرة عن ثلاثة عشرة عاما.. والذي توفي من جراء الضرب المبرح أثناء إحتجازة في تهمة سرقة.. تعكس صورة مخيفة لمجتمع يحاول بكل الطرق النهوض وبناء مستقبل أفضل لأطفاله ولأجياله القادمة لمجتمع جديد يحكمه قانون يضمن الحرية والعدالة والمساواة....ولكنه يقف حاليا عاجزا أمام الإنتهاكات الحقيقية والإستهتار بحقوقة.. إن إنحراف طفل بهذا العمر ولجوئه إلى السرقة تؤكد حالة الفقر والحاجه التي دعت طفلا في بداية عمرة للسرقه وللعلم فهم كثيرون (مسلسل أطفال الشوارع يؤكد وجودهم الكثيف ).. ويؤكد تضاؤل أو إنعدام الرأفة في مجتمع يكثر فيه المليارديرات المدّعون لأي دين.. تؤكد إرتفاع نسبة البطاله المتزايده التي تؤدي إلى الإنحرافات.. وتنذر بعواقب وخيمه إن لم تعمل الحكومة وبالتضافر مع المجتمع المدني لعملية تنمية إقتصادية بعيدة الأجل لضمان أمن وإستقرار المجتمع
وتؤكد أيضا بأن تواقيع هذه الدول على الإتفاقات العالمية ضد التعذيب وإنتهاك حقوق الإنسان ليست إلا حبر على ورق.. فحسب تأكيد منظمة العفو الدولية في لندن.التي أكدت بأن التعذيب في السجون أثناء الإعتقال يجري بإنتظام ومعمول به في السجون المصرية. بل السجون العربية عامة..
إن الإفتقاد الكامل لحرية التعبير في المجتمعات العربية والإسلامية.. تعني الإفتقاد الكامل لحرية التفكير والتي أمسى المسلمون في أمس الحاجة إليها الآن.. الوصول إلى العولمة الإنسانية التي تكثر مجتمعات العمل المدني.. والمنظمات الإنسانية في الغرب من مناقشتها حاليا.. تدعو العالم كله بما فيه العالم الإسلامي إلى الحوار الحر كطريق وحيد للنهوض والوصول إلى عالم الإنسانيات الذي يضع حرية وكرامة الإنسان فوق كل الإعتبارات.. حتى الديانات..أصبحت خاضعه للدراسات والبحث العلمي على إعتبار أن الأنبياء ليسوا إلا بشر.. ولكنهم وبالتأكيد ومما لا شكل فيه شكلوا ثورة في مجتمعاتهم.. لأنهم إستخدموا عقولهم للوصول لأفضل ما يخدم مجتمعاتهم في ذلك الوقت.ولكن القفزة العلمية الحالية تدعونا لإعادة النظر في كل المسلمات الدينية سوى الإعتراف بوجود الخالق الواحد الذي يؤمن به المسلمون والمسيحيون واليهود.. وأن هذا الخالق عز وجل أحب جميع أبناءه من البشر بالتساوي...ومن السذاجه بل الكفر أن نعتقد أنه ميز بين مخلوق وآخر على أية إعتبارات سواء اللون أو الجنس أو الدين.وأن هذا الخالق ترك لأبنائه حرية الإيمان من عدمها حتى بوجوده...
ومن هذا المنطلق إذا كان ثمة أمل في تفاعل إيجابي للعالم العربي والإسلامي.. أتساءل .. لماذا تذكر الديانة فقط في جوازات السفر العربية والإسلامية.. لماذا يعمل فقهاء الدين على الفتنه في مجتمع مهزوز أصلا من الفقر والجهل.. من خلال تناقض تأويلاتهم وخلق بلبلة في المجتمع حول ما صرح به المفتي علي جمعة في مقابلته مع صحيفة واشنطن بوست...
إذا كان العالم الإسلامي يرفض الإعتراف بحرية الإنسان في إختيار الديانة التي يريد.. ألم يحن الوقت لإحترام حرية الضمير وحق الإنسان في عدم الأخذ بأي دين مع إحتفاظه بحقه كمواطن وإنسان..لماذا لا نترك التفسير كما تركه المفتي بأن إثم الشخص المرتد يعاقب علية يوم القيامة.. فلندعه نحن أيضا للخالق.. والأخذ بما دعا إليه المصلحون السابقون امثال التونسي محمد الطالبي والمصري جال البنا من إبطال حكم الرده...
في القرن الواحد والعشرون.. وعصر العولمة ألم يحن الوقت أن نكون أصدق مع أنفسنا ومع مجتمعاتنا.. وأن نعترف لمواطنينا بأن تبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بكل مواده خاصة المادة 19.. هو الطريق الوحيد للنهوض والتنمية لإعادة الإنسانية إلى الدين...
فالرب واحد.. والإسلام دين مثل بقية الأديان أعترف بحرية العبادة وإعترف بجميع الأديان...

باحثه وناشطه في حقوق الإنسان ndash; لندن