كما فعلت حكومة إسرائيل في شهر يونية عام 2006 بعد أن اقتربت طائراتها عامدة متعمدة من الشاطئ السوري، امتنعت تل أبيب يوم الخميس الماضي عن التعليق علي البيان العسكري السوري الذي إتهم طائراتها القادمة من فوق البحر المتوسط باختراق المجال الجوي للبلاد من الناحية الشمالية الشرقية بالقرب من الحدود السورية التركية، عند نقطة يقال أنها تقع علي مبعدة نحو 160 كيلو متر إلي الشمال من مدينة الرقة..


وكذلك فعل المتحدث باسم البيت الأبيض في مؤتمره الصحفي حين سُؤل عما حدث، حيث رفض التعليق باعتبار أن من حقه التقين أولا من حقيقة quot; الاتهامات السورية quot; من مصادر إسرائيلية، حتى لا يتكدر صفو علاقات تل أبيب وواشنطن خصوصاً في الفترة السابقة على انعقاد مؤتمر السلام في منتصف نوفمبر القادم..
اتبعت حكومة إسرائيل نفس التكتيك: إنكار مبدئي علي لسان المتحدث باسم الجيش quot; quot; ليس لدينا ما نعلق به علي هذه الأنباء quot;.. أعقبه تصريح بإسم مجلس الوزراء يؤكد quot; أنه لا يوجد سياسياً ما يمكن إضافته أكثر مما جاء في بيان القوات المسلحة quot;.. ثم يأتي بعدهما من يتحدث باسم قيادة الأركان عن مناورات وتحليق شبه روتيني للطيران حول هذه المنطقة الداخلة في دائرة الاهتمام العسكري الإسرائيلي لجمع معلومات استخبارية ولأغراض أخري، ووعد بفحص ما قاله الجانب السوري في ضوء التقارير التي قد ترد في هذا الشأن..
من المعروف أن ما يقلق إسرائيل من ناحية الجبهات السورية هو حدودها الشمالية المشتركة معها بالإضافة إلى المنطقة اللبنانية الجنوبية التي تتمركز فيها قوات المقاومة التابعة لحزب الله.. لذلك تأتي هذه الزيارة الشمالية الطائرة ربما:
1 - للتيقن مما إذا كان النظام الحاكم في دمشق قد حصل مؤخراً من موسكو ( كما تؤكد مجلتا جينز و ديفينس نيوز الغربيتين المتخصصتين في الشئون العسكرية والدراسات الحربية ) علي أنظمة دفاع صاروخية أرض / جو متطورة قصيرة المدي من طراز quot; بانتسير quot; مضادة للطائرات أم لا..
2 - وما إذا كانت القوات المسلحة السورية قد أقامت فعلاً قواعد لمجموعات من هذه الصواريخ المضادة للطائرات بالقرب من حدودها المحاذية للبنان..
3 - وربما لإعادة التأكد من مستوى حالة التعبئة حول دمشق بعد ما تسرب من أنباء تفيد بسحب عدد كبير من القوات السورية المتمركزة حول العاصمة وإعادة نشرها بالقرب من منحدر جبل الحرمون الذي تتمركز فيه قيادة القوات الإسرائيلية التي تحتل هضبة الجولان..
إذن اختراق طائرات إسرائيل للأجواء السورية من الناحية الشمالية يبعث رسالة يجب أ ن نتوقف عند ما تحمله من معاني:


أولاً.. يحمل معنى التفتيش بالقرب من مينائي اللاذقية وطرطوس حول ما إذا كانت ملامح القاعدة البحرية الروسية التي نشرت وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية العديد من الأخبار حولها منذ بضعة أسابيع، قد بدأت تتشكل وما هو المدى الذي بلغته من ناحية الاستعداد ومستوى ما تتمتع به من قدرات..
ثانيا.. يحمل معنى التهديد بعمل عسكري ضد كل ما من شأنه أن يهدد أمن إسرائيل سواء كان سورياً خالصاً او سورياً مطعم بالمذاق الروسي، وسواء كانت مرتكزاته قاعدة بحرية تطل على البحر المتوسط أو مجموعة من القواعد الملاصقة للحدود السورية اللبنانية..


ثالثا.. يحمل أيضا معني القدرة علي توجيه ضربة استباقية ndash; إذا لزم الأمر - تدفن معها أي تفكير أخرق لا يعرف عواقب ما هو مقدم عليه لتحويل الأنظار عن الملف النوى الإيراني.. فالزيارة الخاطفة وما تبعها من إلقاء حمولة لم يترتب عليها ضرر مادي أو معنوي، تنصح بالتريث وإمعان التفكير..
رابعا.. أنه إذا كان هناك من يظن أن تجربة الطيران الإسرائيلي quot; غير الإيجابية quot; علي الجبهة اللبنانية منذ حوالي 13 شهر لا زالت تؤثر سلباً في حريته في الحركة، فعليه أن يُغير من نظرته المخطأة هذه..
يتبقي سؤال جوهري: هل انتهت رسالة إسرائيل الطائرة عند هذا الحد أم أنها تتضمن معاني أخرى بين السطور، ربما تكشف عنها الفترة المتبقية من شهور الصيف الذي قيل انه سيكون ساخناً !! كعنوان يفرض نفسه عل جدول أعمال مؤتمر الخريف للسلام المرتقب في الشرق الأوسط !!..

الدكتور حسن عبد ربه المصري
استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا

[email protected]