تصريحات جورج دبليو بوش العدوانية ضد سوريا، والتحريض عليها في وسائل الإعلام، وانضمام جوقة الأعراب المتأمركين إعلامياً وسياسياً لهذه الحملة، والاختراق الجوي الإسرائيلي وانتهاكه لحرمة الأجواء السورية، ( ولن نتطرق، بطبيعة الحال، هنا إلى ترسانة، وقدرة الردع السورية المرعبة والمذهلة)، والإعلان عن مؤتمر الخريف المقبل للسلام في الشرق الأوسط واستثناء سورية منه، وأخيراً وليس أخراً الحرب الضروس والشعواء والموقف العدائي والعدواني التي اتخذته بعض القنوات الفضائية العربية، كلها تصب في إطار الحملة المنظمة للي ذراع سوريا، وإجبارها على تقديم أثمان سياسية مقابل ذلك ولعل quot;رأسquot; فك التفاهم الوثيق مع الجانب الإيراني أصبح هو المطلوب رقم واحد في سلسلة المطاردة الدؤوب للموقف السوري في ظل التخاذل، والهوان، والميوعة السياسية في التعامل العربي مع شتى الملفات والقضايا الساخنة على الساحة الإقليمية، وبعد أن تبدى أن هذا التفاهم قد بدأ يحصد نتائج وحقائق مؤلمة على الوضع الإقليمي لا يمكن تجاوزها، أو القفز فوقها بسهولة أبداً. وإن محاولات التسخين، والتحرش لاختبار ردود الأفعال، والذي تجلى في العدوان الإسرائيلي الأخير، والذي قوبل بصمت، وربما، رضا وتأييد عربي ضمني، لافت، وكما حدث في الحرب الأخيرة ضد لبنان، قد فشل هو الآخر في استفزاز سوريا المطلوب، وجرها إلى معارك استنزاف هامشية لا تصب في المطلق، ولا تخدم الاستراتيجية السورية التي تستشرف آفاقاً أبعد مما هو منظور حتى الآن، والواقعة في المدى المجدي لقصيري النظر من ساسة المنطقة.

وأن تقتصر التجاذبات، والمناكفات، وعمليات الشد والجذب على أدوات الضغط السياسية التقليدية المعروفة بين فرقاء الصراع في المنطقة، وبعض العرب هنا شركاء، وربما حلفاء، في إدارة وتوجيه هذا الصراع وابتكار أدوات جديدة وأخرى للضغط، فهذا أمر مبرر ومقبول، وحتى معروف في كافة الصراعات والمشاكل السياسية، لكن أن يتعداه إلى جوانب أخرى، كالحرب السافرة والمعلنة ضد الدراما السورية، والتي خرجت من نطاق المكتوم، ومحاولة قطع أرزاق الناس، وتدمير هذا القطاع الحيوي الهام، الذي بدأ ينافس بقوة في هذا المجال، والتضييق على تسويقه، فهذا يثبت بما لا يدع مجالاً للشك، المدى الذي يذهب إليه هؤلاء في الحرب الشاملة ضد سوريا، وأن عملية الاستقطاب قد بلغت درجة من الوضوح والمباشرة بحيث لا بد أن يكون معها رد، وموقف حاسم من الجانب السوري الذي بدا حليماً، ورابط الجأش حتى الآن، وما يزال برغم كل ذلك، يعوّل على الاعتبارات quot;القوميةquot;، والأخوية التقليدية، التي يظهر أنها ليست في وارد ولا حسابات تلكم الجهات العربية التي حسمت هي الأخرى خياراتها واتجاهاتها النهائية وفق بوصلتها السياسية، ورمت بكل ما تملك من أوراق للمواجهة والضغط في حلبة الصراع بما فيها ورقة محاربة الدراما، والفن السوري، الذي حقق الرواج والانتشار وكسب عقول وألباب المشاهد العربي في كل مكان.

ولعل مبادرة السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد الكريمة بالتوجيه لشراء حقوق بث 27 مسلسلاً سورياً، وعرضها على القنوات السورية الحكومية الثلاث، تعتبر إحدى محاولات دعم الدراما السورية حيال الحرب المعلنة ضدها، والتعويض عن الخسائر الجسيمة والهائلة التي مني بها المنتجون جراء هذا الموقف الغريب الذي فاق كل تصور وخيال، إلا أنها لا تنفي الجانب السلبي للأزمة وما تبعثه من شجون وألم في نفس كل من يتابع فنون وأساليب بعض العرب العدوانية. وهناك جانب آخر يبدو أنه لم يأخذ نصيبه من الإعلان، وضاع في زحمة الأحداث وضجيجها، ولم يظهر للعيان حتى الآن، وإن كانت بعض الجهات السورية المختصة على علم ودراية به، ألا وهو التوجيه الرسمي لبعض السياح العرب، ومن قبل حكوماتهم، بالذات، ووصل الأمر إلى حد إرسال quot;مسجاتquot; جماعية لمواطنيهم SMS بعدم التوجه إلى سوريا، ومقاطعتها سياحياً أيضاً، والامتناع عن زيارتها حالياً للإضرار أيضاً بالقطاع السياحي السوري الذي بدا أنه يشهد نمواً متميزاً في السنوات الأخيرة، ويساهم إلى حد معقول في دعم الناتج القومي السوري العام.

كنت أعجب كثيراً حين كنت ألاحظ، ولا أتابع، وعلى الشاشة السورية الغنية بالإنتاج السوري الرائع الفذ والمميز، مسلسلاً مصرياً، أو بدوياً، أو خليجياً، أو حتى مغربياً ذا لهجة محلية عصية أحياناً على الفهم، وفي ساعات الذروة والمشاهدة القصوى في بعض الأوقات، وكل ذلك من منطق قومي وروح رياضية يفتقدها كثيرون، والكل على علم تام بالسياسة الرسمية الفنية المصرية بأن المسلسلات العربية، وليست السورية فقط، ممنوعة بشكل عام، مثلاً، في التلفزيون المصري الرسمي الذي لا يعرض سوى الإنتاج المصري بقصصه quot;التقليديةquot; المعروفة والمملة والتي باتت محفوظة عن ظهر قلب، وها نحن نرى اليوم الرد quot;العربيquot; الشامل، فنياً،على الموقف السوري.

لقد كانت معظم السياسات القومية التي اختطها سوريا، وللأسف، وعبر تاريخها الحديث في التعامل مع القضايا القومية كارثية وغير ذات جدوى ونفع للسوريين، وانعكس ذلك بشكل جلي، وسلبي جداً على المواطن السوري بشكل خاص، بعد أن أعطت كل ما لديها من أجل تلك القضايا الخاسرة. وإن التسهيلات الكبرى والمزايا والإعفاءات التي قدمتها وتقدمها سوريا للمواطنين العرب دخولاً، وخروجاً، واستثماراً، وتملكاً، وزواجاً، وكله من منطلق قومي وعقائدي بحت، لم تقابل، وبكل أسى إلا بجحود ونكران بدوي لئيم معروف، يتجلى بتلك الإجراءات المؤلمة التي تطال، أحياناً، كرامة السوري، وتمتهنه وتذله، وتعامله بتمييز عنصري فاقع بغيض، طال هذه المرة قطاع الفن والسياحة السوري، وإعلان الحرب على لقمة عيش السوريين وأعمالهم، وقطع أرزاق العاملين فيها، والله وحده الأعلم، والأدرى بما يخبؤه ويضمره هؤلاء الأعراب في القادم من الأيام والسنين.

إنها، إذن، الحرب الشاملة ضد سوريا التي لم يستثن منها قطاع الفن والدراما أيضاً، وخسارة من شن هذه الحرب هي أخلاقية في المقام الأول. ومع ذلك، لا يمكن لسوريا، ومن موقف أخلاقي، ومنطلق رجولي، ومنظور قومي أيضاً هذه المرة، أن تتخذ إجراءات رادعة بحق أحد، أو أن تعامله بالمثل، رغم امتلاكها للكثير من أوراق وأدوات الضغط المختلفة وذلك عكس ما يفعله الآخرون، ولا يطلب، في الواقع، أي عاقل ذلك على الإطلاق، رغم أنه لكل الحق، أحياناً، في اتخاذ ما يراه من سياسات سيادية ومصلحية خاصة فطبيعة الحال، أيضاً، ومنطق الأشياء، هو التواصل بين الشعوب والدول والناس. ولكن صار من الواجب، بل من المحتم والملح، الآن، اتخاذ تدابير مناسبة، وبحدها الأدنى المعقول، لضمان حقوق ولقمة عيش السوريين، وربما كرامتهم، أحياناً، ليس إلا، ومنع الاعتداء عليها، وجعلها مرتعاً للّهـو، والعبث بها من قبل أي كان.

نضال نعيسة
[email protected]