لنصف قرن طويل مليء بالأحداث والانهيارات تأخر منير العبيدي ليصطف وراء خرشتشوف ويوصينا بالتخلي عن اللينينية!! سبقه إلى ذلك معلمه خروشتشوف فحين هاجم ستالين في العام 1956 كان تعليقي بأن خروشتشوف يهاجم ستالين اليوم كي يهاجم لينين غداً. لم يوافقني الرفاق بالطبع آنذاك، لكن
نقرأ العبيدي أكثر من مرة، رغم إدراجنا لإسمه في القائمة السوداء كما أشار، لكننا لا نجد سبباً واحداً يأتي به العبيدي ويدعو إلى التخلي عن اللينينية كما يوصي، خاصة وأنه يرفض التجربة السوفياتية لأنها تجسيد للستالينية وليس للينينية؛ فلماذا يرفض اللينينية إذاً طالما أنها لم تتجسد في التجربة السوفياتية الستالينية وفق مزاعمه؟ لا يقول سبباً سوى أن الحياة في غرب أوروبا كانت أفضل منها في الإتحاد السوفياتي وهو ما كان يحرج قادة الأحزاب الشيوعية في أوروبا الغربية أمام قواعدهم!! ـ ولعله يشير هنا فقط إلى ما بعد العام 75. لكن هذا لا يكفي للتخلي عن اللينينية خاصة وأنها لم تطبق في الإتحاد السوفياتي! أنا هنا أراهن الجميع على أن أحداً لن يعرف سر حقد العبيدي على اللينينية التي كما يقول أنه لم يرَ نتائج تطبيقها في الإتحاد السوفياتي.
ليس من سبب لحقد العبيدي على اللينينية سوى أنه كان في شرخ شبابه قد اعتزم أن يصبح زعيماً جماهيرياً، وهو هدف متفش ٍفي طبقة البورجوازية الوضيعة، فراهن على نجاح المشروع اللينيني وانتسب للحزب الشيوعي العراقي. انهار المشروع اللينيني فخسر منير العبيدي رهانه الذي كلفه كد عمره. لهذا فقط أخذ العبيدي يحقد على لينين ويتمنى لو أن لينين لم يولد أصلاً ولم يأت بمشروع يراهن عليه. ليس أمامي من بديل آخر لأسباب حقد العبيدي على لينين طالما أنه يكتب مثل هذا الخطاب الأجوف.
ما هو وحده صحيح وقاله العبيدي هو تراجع الحياة السوفياتية في أواخر السبعينيات والثمانينيات؛ وما سبب ذلك سوى وجود أمثال العبيدي في قمة السلطة السوفياتية. نحن كنا نرفع الصوت عالياً شجباً لسياسات خروشتشوف ثم بريجينيف وبودغورني وكوسيجن حين كان سكوت الموافقة يغلب على العبيدي وأمثاله بل وربما التأييد النشط. في العام 63 قلنا لأزلام خروشتشوف أن إبناً لخروشتشوف بالمعمودية لا يخجل بالردّة المفضوحة سيرتقي قمة السلطة السوفياتية في الثمانينيات وبالفعل استلم غورباتشوف، المعادي للشيوعية كما يعلن اليوم، في العام 85 الأمانة العامة للحزب. وقلنا لهم آنذاك أن الإتحاد السوفياتي سينهار في العام 1990 فانهار فعلياً في 89 ورسمياً في 91. تنبأنا بذلك إنطلاقاً من أن ممثلي البورجوازية الوضيعة الحقيقيين من مثل خروشتشوف وبريجينيف وأندروبوف وبودغورني هم الذين حلّوا محل ستالين.
على العبيدي وأمثاله من quot;الشيوعيينquot; الأوروبيين أن يطأطئوا رؤوسهم أمام المآثر التي حققتها الشعوب السوفياتية بقيادة ستالين مسترشداً بمنارة اللينينية. في العام 1933 صرح كل من برنارد شو(Bernard Shaw) واتش جي ويلز(H.G.Wells) وهما أشهر كاتبين إنجليزيين وعالميين آنذاك، صرحا، بعد أن طافا بأرجاء البلاد السوفياتية، بالقول.. quot; أن البشرية طالما راودها حلم بناء حياة كالحياة في الإتحاد السوفيتي quot;. وفي النصف الثاني من الثلاثينيات كانت الصحافة الأميركية تقارن رغد الحياة السوفياتية بطوابير الحساء الفقير في أميركا وأوروبا. في العام 1940 استسلمت الإمبراطورية الفرنسية لجيوش النازية التي دخلت عاصمتها باريس في حزيران، وهربت جيوش الإمبراطورية البريطانية من القارة الأوروبية أمام جيش النازية، كما تهرب الفئران أمام القط، لتحتمي في ثقبها وراء شواطئ المانش، وعانت الشعوب الأوروبية من الذل والهوان تحت الإحتلال النازي 1940 ـ 1945 قبل أن يحررها الجيش الأحمر جيش لينين وستالين. وفي ألأعوام 1946 ـ 1951 أعاد السوفيات إعمار بلادهم فغدت أكثر حداثة مما كانت عليه قبل الحرب علماً بأن الدمار الذي لحق بها، بسبب تخاذل الغرب في مواجهة جيوش النازية ورغبته المنحطة بإلحاق أوسع تدمير بالبلاد السوفياتية، كان الدمار أضعاف ما لحق بأوروبا الغربية التي لم تنجح في إعادة الإعمار كما نجح السوفيات رغم مساعدات مارشال الأميركي التي فاقت 12.5 مليارا من الدولارات مقابل استعجال أميركا في استيفاء ديونها من السوفييت حال انتهاء الحرب رغم أن الجيش الأحمر هو من هزم العسكرية اليابانية في شرق آسيا وحمى أميركا مستقلة ذات سيادة وليس قنابل ترومان على المدنيين في هيروشيما وناغازاكي الأمر الذي يخفيه الإعلام الغربي بحرص شديد ـ لدى انتهاء الحرب مباشرة استعادت الولايات المتحدة السفن التي كانت أعارتها للإتحاد السوفياتي وجرتها قبالة الشواطئ السوفياتية وأشعلت بها النار وبمثل ذلك فعلت بالشاحنات. في الخمسينات وحتى السبعينيات كانت الحياة السوفياتية أكثر رخاء ورغداً من الحياة في أوروبا الغربية رغم كل الإخفاقات التي تسبب بها خروشتشوف ومن بعده بريجينيف. لم يعرف الشيوعيون الهزيمة إلا بعد أن قادهم خروشتشوف وأمثاله من الذين على شاكلة العبيدي.
لأن العبيدي يحقد على لينين بسبب فشله في الرهان على مشروعه فهو لم يستقص ِحقائق الحياة الأوروبية اليوم. ينادي العبيدي برفض لينين لأنه يرى الحياة في ألمانيا وفي أوروبا بشكل عام حياة سهله ومريحة. اليسر الظاهري الماثل اليوم في أوروبا إنما هو يسر خادع يقوم كلياً على الدين اللامحدود من جهة، وسرقة شعوب العالم الثالث عبر أسواق النقد الزائف من جهة أخرى. ألمانيا التي تدفع إعاشة لمنير العبيدي مدينة اليوم بحوالي 4000 مليار دولاراً وهو ما يساوي ضعف إنتاجها القومي الأمر الذي حدا بالبنك المركزي لأوروبا أن يوجه إليها إنذاراً قاطعاً بوجوب قيام الدولة بخفض الإنفاق العام. حاولت حكومة ميركل تقليص رواتب التقاعد والإعاشات التي منها إعاشة العبيدي مما دفع بالعمال إلى القيام بمظاهرات كبرى لعل العبيدي شارك بإحداها. ما تجدر ملاحظته هنا هو أن الألمان هم دائماً محتارون في الخيار بين الديموقراطيين الإجتماعيين والديموقراطيين المسيحيين غير أن منير العبيدي ليس محتاراً في الخيار بين الشيوعيين من جهة والديموقراطيين الإجتماعيينمن من جهة أخرى أبداً فقرر اختيار الديموقراطيين الإجتماعيين!! عار على كل من كان يوماً بين صفوف الشيوعيين أن يدعو الشيوعيين رفاق لينين وستالين لأن يقتدوا بأحزاب quot; الديموقراطيين الإجتماعيينquot; التي اشتهرت بخيانة الطبقة العاملة صباح مساء بحجة quot; الديموقراطية quot; و quot; التعددية quot;!! العار هنا ليس عار الخيانة الشخصية حصراً ناهيك عن الخيانة الطبقية، العار هنا هو عار الغباء فالعبيدي الذي قضى عمراً في الحزب الشيوعي العراقي لا يفهم حتى الساعة معنى الديموقراطية ومعنى التعددية. الديموقراطية التي يبشرنا بها العبيدي اليوم تقول بلزوم الدفاع عن أعداء الحزب داخل الحزب!! البورجوازية تسرق الطبقة العاملة وتلهب ظهرها بسياطها النارية ثم تخدع العبيدي فيصدق أنها ديموقراطية وتحافظ على التعددية من خلال الانتخابات العامة كل أربع سنوات التي لا يشارك فيها نصف المواطنين وينقسم النصف الثاني بين اليمين واليسار لتنتهي السلطة بيد ربع السكان ضد الثلاثة أرباع الباقية، أو في الحقيقة بيد 10% من الشعب ضد 90%، فأي ديموقراطية هذه التي يبيعها علينا العبيدي؟!! هكذا ديموقراطية لا تستحق المقارنة بديموقراطية البلاشفة بقيادة ستالين. ديموقراطية البلاشفة ليست quot; انتخب وعد إلى بيتك لأربع سنوات quot; ـ حتى ودون أن يعرف الناخب من ينتخب ـ بل إنها.. صوّتْ وانتخبْ في كل يوم وفي كل ساعة في مواقع العمل. كل شغيل في أي مؤسسة يشارك في تقرير خطة العمل للمؤسسة كل أربع سنوات وينتخب رئيس المؤسسة ولجنة إدارة المؤسسة. كل القرارات الهامة تجري مناقشتها بصورة شفافة ولا تتقرر إلا من خلال التصويت. ليس ثمة أكثر دلالة على الفارق الجوهري بين الديموقراطية البورجوازية التي يسوّقها علينا العبيدي والديموقراطية البلشفية التي أرساها ستالين، ليس أدل على ذلك من سير المعارك في الجبهة الشرقية في مواجهة الهتلرية مقارنة بما جرى في الجبهة الغربيةـ وهي لا ترقى لأن توصف بالجبهة. ليس مناكفة بالعبيدي نؤكد ـ وهو ما سيصيب العبيدي بالإحباط الشديد والقهر ـ أن الجبهة الغربية كانت تحتاج بصورة ملحة وعاجلة لحماية من الجبهة الشرقية طيلة الأشهر القليلة التي حاربتها ـ وهي تسعة أشهر فقط لا غير أجملها ستالين العظيم حين قال لتشرتشل في مؤتمر بوتسدام في نهاية تموز 1945.. quot; إنما أتيت أنت إلى هنا لتقتسم غنائم الحرب أما أنا فما جئت إلا لأدافع عن حق الشعب الألماني بحياة حرة وديموقراطية quot;. هل يعلم العبيدي أن السوفييت وحدهم واجهوا 200 فرقة ألمانية وأوروبا الغربية مجتمعة ومعها الولايات المتحدة الأميركية لم تقدر على مواجهة 20 فرقة من الدرجة الثانية؟؟ ولنسأل العبيدي.. من هم الجنود الأحرار ومن هم الجنود الأجراء في هذه الصورة المصيرية التاريخية التي تكشف كل الحقائق فوق كل الأستار؟؟
ثم نسأل العبيدي أيضاً رغم إدراجنا لاسمه في القائمة السوداء.. لماذا اللينينية اليوم؟؟ عملت اللينينية عملها في الحركة الشيوعية فيما مضى ولم تعد مشكلة العالم اليوم. لماذا يراها العبيدي مشكلة العالم اليوم وهي ليست كذلك؟ ما أضافه لينين لماركس هو نظرية quot; الحلقة الأضعف quot; في سلسلة مراكز الرأسمالية الإمبريالية. اليوم وبعد أن دفع الخراشفة ـ والعبيدي ينضم إليهم متأخراً رغم افتضاحهم المجلجل ـ مشروع لينين بكل مآثره الجبارة إلى الهاوية لم تعد اللينينية مشكلة من أي حجم للعالم. فلماذا اللينينية بعد كل هذا؟ ليس من جواب يحاره العبيدي على هذا باستثناء ما استنتجنا أعلاه، خسارة الرهان!! أما الشعب، أما مستقبل البشرية فإلى الجحيم!! هكذا تكلّم تروتسكي، وهكذا تكلم زينوفييف!! وهكذا يتكلم اليوم منير العبيدي من رجال القائمة السوداء!!
لسنا راغبين في أن نخدم العبيدي فنشرح له كيف أن لينين عمل على تحرير الشعوب من ربقة التبعية مثلما كان العراقيون من أقنان السلطنة العثمانية؛ فلعل منير ما كان ليكون بلا لينين سوى حرّاث يجر محراثه الخشبي في مزارع بهرز في العراق بوساطة بقرة وحمار هزيلين وتغرق قدماه العاريتان في طين الأرض المحروثة ويأتي الآغا في نهاية العام يستولي على ما توفر من محصول فلا يجد العبيدي ما يشتري به ثوباً جديداً، وكيف أن الحرية التي يتمتع بها عدو الإشتراكية واللينينية منير العبيدي اليوم إنما هي منتوج جانبي للينينية. الشيوعيون ليسوا بلهاء ليصدقوا أقوالاً إبتلعها العبيدي مع الإعانات التي تلقاها من حكومة ألمانيا حين غمزته على الشيوعية وهو يمد يده فقام يقاومها!! في الحقيقة أن الشيوعيين البلاشفة سعداء لأنهم فقدوا من بين صفوفهم منير العبيدي وأمثاله من البورجوازية الوضيعة.
فـؤاد النمري
www.geocities.com/fuadnimri01
التعليقات