جاء المحاضر وتهيأ الناس في المدينة للقائه. موضوع محاضرته يعتبر موضوع الساعة. إذ يدور حول تفنيد واقع المقاومتين الفلسطينية والعراقية. وقد حشد منظمو المحاضرة أبناء الجاليتين العربية والإسلامية لحضور هذا اللقاء المهم.

كان الخلاف بيني وبين صديقي حول شخصية المحاضر، فقد اعتبره صديقي شخصية وطنية في زمن قلَّ فيه وجود الرجال غير المأجورين. وأنه الرجل الذي يجسد نبض الشارع ويعكس تطلعاته، ويعطي كل ذي حق حقه، ويطلق الألقاب (كالزعيم، والمناضل والشيخ والخ..) على الشخصيات المختلف حولها. لذا رأى صديقي بأن علينا دعمه بحضورنا ودعم منطقه الوطني.

أما أنا فكان لي رأي آخر، إذ يمثل لي المحاضر شخصية الانتهازي بامتياز.الانتهازي الذي يمتطي أي قضية في سبيل تحقيق شهرة ما ولو على حساب كل من حوله باتباعه مقولة quot;الجمهور عايز كدهquot;، فهو يقوم دائما بدغدغة مشاعر رجل الشارع وأحاسيسه.

ومع ذلك ارتأيت أن أحضر مع صديقي هذه المحاضرة. وفعلا كان الحشد كبيراً في قاعة تتسع لما يقارب 1500 شخصاً.ابتدأت الاحتفالية بعزف وغناء للترانيم الدينية قدمتها فرقة من أبناء الجالية. ومن ثم دعا عريف الحفل المحاضر إلى المنصة بعد أن أتحفنا بنبذة منمقة عن حياته.

وصعد المحاضر إلى المنصة مزهواً كالطاووس. وبدأ حديثه بشكل مؤثر استحوذ به على مشاعر وأحاسيس الجمهور الذي بدأ بتحيته، وبالتهليل والتكبير لدى تلفظه بالكلمات التي تحرك قلوب الحضور المكوية أصلاً بنار المعاناة جراء ما حصل في البلاد. وتطور الأمر إلى درجة بكاء بعض الناس. لكن حديث المحاضر لم يقدم أي معلومة جديدة، ولم يكن منسق بشكل أكاديمي. وحديثه معنا أشبه بحديث حكواتي الحارة ورواياته.

في ذروة المحاضرة، أعلن عريفها التوقف عن متابعتها لفاصل قصير، وذلك لأن أحد ممولي المحاضرة افتتح حديثاً متجر للالكترونيات، وقد تبرع بأربعة هواتف جوالة للحفل، وقد طلب عريف الحفل من المحاضر الكبير القيام بالإعلان عن المتجر وإجراء القرعة واختيار الأرقام الرابحة. ولم يكذب المحاضر الخبر وابتدأ بالإعلان بشكل مفصل عن المتجر، ومن ثم قام باختيار الأرقام الرابحة. وبدأ الهرج والمرج ونسى الجمهور موضوع المحاضرة.

ذكرتني هذه الواقعة بمذيعة أحدى القنوات الجميلة وهي تلقي علينا باسمة خبر موت المائة شخص الذين جرحوا في اليوم السابق، ومن ثم تعتذر قائلة: quot;سنتابع الأخبار بعد فاصل قصيرquot;، لتظهر صبية جميلة شقراء معلنة غنائيا عن العطر الجديد: quot; سمبا.. سمبا.. سمباتيكquot; quot;أنا حلوة.. أنا شيكquot;.

ولن استغرب إن قام المحاضر، خلال فاصل قصير، هو الآخر بارتداء بذلة الرقص الشرقي ليتحفنا بوصلة فنية تليق بنا.

صحيح إذا لم تستح فأفعل ما تشاء.

ماري تيريز كرياكي