لست من عشاق أستعراض الذات، ولكني أمارس حقي الانساني في الحديث بصوت مسموع امام الجميع عبر وسائل الاعلام، والمبرر الذي يعطي الشرعية لكلماتي هو أستنادها الى معيار العقل والضمير، وانطلاقها من خلفية ضخمة من التجارب والخبرات والقراءات.

بعد عبور سجن ظلام الطائفية الى نور الله تعالى، كنت ماأزال أعيش في سجن يعد من أخطر السجون واعني به سجن (( أسلمة الحياة )) فقد كنت مهوساً في ارجاع كل شيء في الحياة بكل تفاصيلها الى الاسلام، وفي حالة بحث دائم عن مرجعية اسلامية لكل الظواهر والقضايا.. وخطورة هذا الأمر تكمن في انه يطلب من الاسلام ما ليس أختصاصه، فليس مطلوباً من الدين ان يقدم اجابات عن كل شيء ويقتل جهود العقل، فعلى سبيل ذهبت الى شيخ المسجد الذي كنت أصلي فيه وسألته عن رأي الاسلام في قضية الجينات ((الوراثية)) وبحثت في الكتب الدينية عن الموضوع، بينما هذه مسألة علمية تخص علم البايولوجيا و ليس للدين علاقة بها.

كنت غارقاً في كتب تفاسير القرآن، والاحاديث النبوية، والفقه، والعقائد... أبحث عن أجابات اسلامية لكافة تساؤلاتي العامة، وأسعى الى تكوين منظومة فكرية في على سبيل المثال: في علم الاجتماع الاسلامي، وعلم النفس الاسلامي، والفلسفة الاسلامية.

حتى جاءت اللحظة الذهبية التي ابتدأت فيها تحولاتي الفكرية من أوهام أسلمة الحياة الى ((عقلنتها ))، حينما غادرت العراق عام 1991 ووصلت الى سوريا، وعشت بالقرب من الاحزاب الاسلامية العراقية الشيعية وعناصرها، وعندها أكتشفت وحشية وسفالة واجرام وعمالة عناصر هذه الاحزاب التي تنادي بأسلمة الحياة.

مشاعر الصدمة من طبيعة الاحزاب الاسلامية دفعتني الى القيام بمراجعة نقدية غير محسوسة حتى لي شخصيا، اذ لم أكن أدرك اثناء قراءاتي وتساؤلاتي انني أسير بأتجاه تحطيم أوهام أسلمة الحياة وأتوجه صوب انوار العقل، وكانت شيئا فشيئا تنهار قناعاتي الخاطئة القائمة على البحث عن جذر اسلامي لكل ظواهر الحياة وتغييب دور العقل وجهود البشر في صنع الحياة.

بدعة أسلمة الحياة من اكبر جرائم رجال الدين والاحزاب الاسلامية، فهي تعبير عن نزوع الاسلاميين الدكتاتوري الى أعتقال الحياة في سجون الايديولوجيا وهرطقات التأويلات وديماغوجيا المقولات المريضة لرجال الدين، وهي جزء من المخطط الشيطاني لرجال الدين في الهيمنة على عقول وحياة البشر من خلال الأدعاء بأحتكار الحقيقة وامتلاك الأجوبة لكل سؤال، وبهذا يكون رجل الدين ضمن لنفسه مكانة ثابتة في ان يكون مصدر السلطة السياسية والثقافية وتحويل الناس الى مجرد قطيع من الاغنام يتحكم بمصائرها!

و صرت شيئا فشيئا أشعر بالقرف والاشمئزاز من عناويين تتردد في حياتنا من مثل: الاقتصاد الاسلامي، وعلم النفس الاسلامي، والطبي الاسلامي، والبنوك الاسلامية فمثل هذا التوجه هو تدمير لإبداع العقل ودور الانسان في صنع الحياة وفق ما يتطلبه الواقع والمنطق والضرورة.

لقد خلق الله تعالى العقل وأعطاءه وظيفة الابداع وصنع الحياة، وعملية ارجاع ظواهر الحياة الى ابداع العقل والانفتاح على الجهد الانساني بعيدا عن الدين لايوجد فيه تعارض مع الدين ابداً، فليس مطلوبا من الاسلام تقديم اجابات عن كل شيء، لذا فأن العلمانية والليبرالية فيما يخص السياسة والاقتصاد، وتقديس العلم وعقلنة الحياة يعد من صميم الفطرة الانسانية وعفوية الحياة وانسيابيتها والبداهة والمنطق.

خضير طاهر

[email protected]