الزمان: أيام الفصائل

المكان: حارة منسية وهادئة على هامش مدينة خان يونس الممزقة

المتن: مسجد على بن أبي طالب.مسجد صغير نشأ وترعرع بأيدي الخيرين من أهل الحارة والحارات المجاورة، سهل على الكثيرين من كبار السن كسب أجر صلاة الجماعة فأراحهم من صعود التل والهرولة خمس مرات الى أقرب مسجد يبعد مسافة ربع ساعة مشيا.

احتفلنا بالمسجد كما الابن البكر بعد رجاء سنين طويلة، وجلسنا نحن كبار الحارة في أول ليلة بقلوب مفتوحة ورغم أن منا الحمساوي والفتحاوي والجهادي و..و.. إلا اننا تعاهدنا على ميثاق شرف سهل وبسيط وهو أن يكون المسجد وطنا صغيرا للجميع يسجدون فيه لله بعيدا عن صراع الألوان والرايات..!!

وألا نسمح لكائن من كان أن يفرض على المسجد وصايته وسيفه ولو حدث.. فقد اتفقنا على أن نقاوم بكل ضراوة احتلال وطن صغير بنيناه بأيدينا..!!

الحمد لله..وبعد مرور سبعة شهور على ولادة المولود فان الفحوصات المخبرية أثبتت خلو شرايين مسجدنا البريء من فيروسات أنفلونزا الفصائل، فالمسجد على صغر مساحته يكتظ بالأحبة الذين quot;يتروحون quot; كل ليلة في شهر رمضان الكريم ويتبادلون التحايا والمودة ويغادرون في رعاية الله بصمت وأمل،وكل الخطباء الذين يتوالون علينا لحسن الطالع عفيفو اللسان يتقون الله فيما يقولون لا يسارعون الى فتاوى منفرة بغيضة تحرض النفوس وتدير الرؤوس بل يحببون ويقربون بين الأخ وأخيه فلا دعوة للنفير ولا نية مبيتة في صلاة العراء..!!

هذه الحقيقة أذكرها وأتمنى أن يرعاها الله ويجنبها مرض أهل السوء في الوقت الذي نسمع فيه بكل أسف عن حرب ضروس للسيطرة على المساجد ورفع رايات بعينها عليها..!!

فما جرى في quot;مسجد عسقلان quot; هو حالة مخبرية واضحة تنم عن اكتشاف فيروس غريب وقاتل لأنفلونزا الفصائل بدأ يغزو مساجدنا وسيقضي على البقية الباقية لا سمح الله من صورتنا الدينية والوطنية المعوجة وسيتحول بالتأكيد الى وباء جنون البشر الذي قد لايبقي ولا يذر..!!

لقد قلنا وفي أكثر من مناسبة إن المساجد لله ويجب إن تكون بعيدة عن التجاذبات السياسية والاستقطابات محافظة علي دورها الريادي في العبادة والتنوير دون إن تكون سلاحا في يد زيد يحارب فيه أخيه عبيد فكلنا عبيد الله جل وعلا ولاحق لأحد إن يزايد بصلاته وتقواه على الآخرين فكل نفس بما كسبت رهينة..!!

إن من يظن أن من السهل كسب معركة سياسية ما بتوظيف المساجد كسلاح مؤثر وفعال في بيئة مسلمة لا يرى أبعد من موطئ قدميه لأن هذا السلاح قد يرتد الى نحره إن أدرك الناس ا نهم والمساجد كانوا وقودا رخيصا في أتون حرب أنانية ومصالح حزبية فاقعة..!!

وهذا الأمر لم يعد بعيدا عن إدراك جزء كبير من العامة بعد ما جرى في أشهر الصيف..!!

نعم..

نحن الآن في أمس الحاجة الى إن تقوم المساجد جميعها اليوم قبل الغد بمسئولياتها الدينية والوطنية وتستعيد دورها الحقيقي المقاوم..!! الضائع والمبعثر على أكتاف الفصائل والميليشيات منذ زمن بعيد،وتبادر في هذا الشهر الفضيل الى غسل النفوس من صدأ الشرذمة والدعوة الى التحابب والتقارب بين الأخوة والأهل وتوحيد الطاقات في مواجهة عدو لا يفرق ولا يرحم ولا ينتظر..!!

علينا أن نعترف ولو بيننا وبين أنفسنا كبداية أن الحسم وخطاب الهراوة قد أفقدنا الكثير من الكرامة والثقة واحترام الآخرين وبالتالي يتوجب علينا التفكير بجدية في الرجوع عما فعلنا واقترفنا من أخطاء وخطايا سواء في غزة أوفي رام الله فالرجوع الى الحق فضيلة ورغم صعوبة الخطوة الأولى في اجتياز السور العالي من التراكمات السلبية بين الإخوة إلا أنها واجبة وملحة للخروج من مستنفع الكراهية والحقد الطارئين..!!

نعم إني أدعو صراحة الى تحييد المساجد والنأي بها عن صراعاتنا الفئوية التافهة كخطوة أولى نحو عودة الروح الفلسطينية الغائبة..!!

والأمر على وضوحه وبساطته ليس بحاجة للغمز واللمز ولي الحقائق من المتضررين والمزايدين والنافخين في الكور..!!

أسألك اللهم في هذا الشهر الكريم ألا يأتي العيد علينا إلا وقد تجلت قدرتك في التأليف بين قلوب الإخوة المتناحرين وتصفية نفوس المكلومين..!!

اللهم آمين..!!

توفيق الحاج