هيلاري كلينتون و باراك اوباما و جون ادواردز من الحزب الديمقراطي و وجون ماكيين وميت روميني و رودي غالياني اسماء سطعت في سماء الانتخابات الامريكية و عشنا معها لحظة بلحظة الحملة الانتخابية الديمقراطية و الجمهورية و استمعنا الى مداخلات و مناقشات و سجالات و قضايا و رؤى و اهتمام بالمصلحة الامريكية العليا و حقوق الشعب الامريكي و الدور الامريكي الاقتصادي و العسكري في العالم دون اي مصالح ضيقة شخصية او عشائرية او قبلية او تفرقة او تقزيم او انتقاص لحقوق المرأة او اللون او الجنس او العرق و غيرها من الامور التى تصبغ حياتنا العربية السياسية في مستنقع ندعى كذبا اننا دولا ديمقراطية يحكمنا عقلاء الديمقراطية و فرسانها.


لم يقل احد لاوباما المولود في quot;هونولولوquot; عام 1961 من اب كيني و ام امريكية و السناتور عن ولاية الينويز الامريكية من اين اتيت؟، علما انه عاش بداية حياته في اندونيسيا، و ما هي بلدتك الاصلية، و مكان مولدك، و كم عام لك في امريكا و هو الكيني الافريقي الذي سمح له النظام الامريكي ان يصبح نائبا و يحقق ثروة و يدخل افضل جامعاتها و هي كولوميبا و هارفرد دون اي مكرمة او جميل، بل كانت امريكا الحاضن له و الطريق الى الصف الاول.
و لم يقلل احد من هيليري كلنيتون السيدة الانيقة و السناتور عن نيويورك، و لم يطلب منها احد ان تضع الحجاب، و ان تخرس لان صوتها عورة، و ان عليها ان تمضي حياتها في المطبخ او خادمة لسيد الدار يضاجعها وقت ان يريد، و يضربها و يسجنها في بيت الطاعة الزوجي. لم تشكل لها لجان دعم من السيدات و لم تقم الحكومة بتخصيص كوته لها، بل على العكس فأنها تخوض الانتخابات بعقلها و علمها و فراستها لا بجسدها و تضاريس صدرها.
لم يهاجم احد جون ماكين سناتور اريزونا لانه تجاوز السبعين من عمره، و لم يقل له احد كفاك عملا و تقاعد يا ايها الكهل، و لم يهبط عزيمته احد و لم تشكل لجان quot; شباب امريكا quot; لاسقاطه و اخراج جيله من الحلبه، بل هي امريكا التى ترى الجميع، شبابا و اطفالا و نساءا و شيوخا يشكلون النشيج الامريكي الحي و لا فرق في العمر و لا في اللون او البشرة و ان الافضل عليه ان يتقدم و يحصل على الثقة و يقود العالم لا امريكا فحسب!!!!.
لم يتهم احد ميت روميي المولود في عام 1947رجل الاعمال والسياسي الجمهوري صاحب شركة quot;بيني quot; للاستثمارات بأنه يخوض الانتخابات لانه رجل اعمال صاحب مصالح و لم يقلل احد من اهميته لانه رفض خوض انتخابات مقعد الحاكم لولاية ماساشوستس عام 2006 علما انه كان حاكما لها في دورة 2002. ولم يقل له احد: انك رئيس اولمبياد 2002 و رياضي لا تفهم في السياسة. الرياضة مهمه في امريكا و رجال الاعمال محترمون و يقدمون سجلات ضرائبية كاملة و نظيفة و لا يشاركون الحاكم و لا تفرض عليهم اتاوت.


انسحب رودي جولياني عندما شعر بموقفه الضعيف و اعلن صراحة تأييده العلني لزميل عمرجون ماكين علنا و على الملاء دون اي حرج. و نال احترام الجميع و لم يصفه احد بالتخاذل او الغربة في منصب في حال فوز ماكين.
شاهدنا تأييد علني من كارولين كيندي على صفحات الجرائد للمرشح باراك اوباما و بعد يومين تاييد علني اخر من ادوارد كيندي، و لم تمنع الجرائد النشر و لم يكن هنالك عمليات انتخابية قذرة و مساومات مالية تتم من الخلف و شراء ذمم.
في امريكا مشروع تقوم به جامعه هارفرد، ضمن مشاريع جامعية اخرى، تدرس الانتخاب الالكتروني و تأثيرها في النتائج، و نوعية واتجاهات التصويت، و الحملات و ادارتها، و القدرات للمرشحين و تحلل خطاباتهم و غيرها بعكس بعض مراكز الدراسات الاسترايتيجة العربية التى تتصدر وثائقها نجاح الحكومة العربية و الحاكم العربي في quot;العرس الديمقراطي quot;، و كلها تقارير غير محايده تخرج من بطن الحكومة و اجهزتها.
لم نسمع تدخل المخابرات ووكالة الاستخبارات المركزية في اختيار المرشحين و السماح لهم بخوض الانتخابات و لم يدفع اي مرشح قرشا واحدا للترشح في الانتخابات، و لم يمنعهم احد ان يتحدثوا في كل شيء من الحرب و سحب القوات الامريكية، و محاربة القاعدة، و الفشل الاقتصادي في تمويل العقارات الى حقوق الشاذيين جنسيا. لم يتهمهم احد بالعيب، و لا بأنتقاص هيبة الدولة، ولا بالمساس بسمعه الحاكم، ولم يكن هنالك اي تهمه تخص الاخلال بالامن الاقتصادي او الاساءة الى دولة صديقة و غيرها من المهاترات التى نرى في عالمنا العربي انظمة و قوانين توضع لتلك التهم
و تقننها و يباركها نواب من المفترض انهم دعاة ديمقراطية.


هذه هي امريكا quot; التغيير quot; و امريكا الحقوق المتساوية، و امريكا الحلم و امريكا المستقبل لا quot;عرب الوضع الراهن و الحاكم الابدي و الاجهزة الامنية الخانقة للحريات.
في الانتخابات الامريكية سينتخب كما هو الحال دوما الجيش و الامن و العاملين في وزارة الدفاع و لن يتهم احد ادارة الانتخابات بان الجيش مزور، لان كل فرد له حق الانتخاب دون توجيه و دون وجود صناديق باسماء مسبقة لمرشحي الحكومة لانه لا يوجد مرشح حكومة، و سينتخب كل امريكي عبر البحار و خارج امريكا في السفارات و القنصليات، و ايضا عبر البريد الالكتروني و لن يقال ان اجهزة الحاسوب تعطلت او الكهرباء انقطعت، و لن يمدد الوقت لآن البعض لم يأت، و لن ينتخب شخص اكثر من مرة و لن يوضع حبرا على الاصبع او تثقب بطاقة انتخاب.
في الانتخابات الامريكية مناظرات متعددة على الهواء، و اخرها في سبتمبر بين المرشح الديمقراطي و الجمهوري، لا خلل و لا اسئلة معدة سلفا و لا لقاء مسجل مسبقا، و انما على الهواء مباشرة و كل الاسئلة تاحة و مشروعة بلا قيد او شرط.


امريكا دولة ديمقراطية مسؤولة و شعبها شعب ديمقراطي مسؤول، و النتيجة يقبل بها الجميع و القضاء هو الحكم، وفي حال وجود طعن انتخابي ينظر في الطعون بعد النتائج و يعاد الفرز في حال وجود طعن صحيح، و لا يتهم احد الطاعن بأنه عدو الدولة و لايهمل اي صوت.
في امريكا لن يجدو صناديق على حافة الطريق، و لن يحرس الانتخابات شرطة مدججة بالسلاح، و لن يضرب احد، و لن يطلق نار على احد، و لن يجلس وزير الداخلية يتغنى بالديمقراطية و العرس الديمقراطي ساعات و ساعات. انها امريكا الحقوق الكاملة.


في امريكا يسأل الرئيس الامريكي من اين لك هذا، و لا يستعبد السائل او يدفن في سجن مدى الحياة، و لايتهم بالمساس برأس الدولة، هذه هي امريكا و حلاوتها و العرب يغصون في المرارة.


في امريكا لا يحتفلون بعيد الرئيس الامريكي و لا يقيمون حفلا لطهور اولاده و لا يهتمون بأن زوجته قد انجبت فتتصدر الصحف التهنئة من اموال الشعب و شركات الدولة، و هنالك الاف من حالات quot; اللا quot; التى تجعل من الامريكي فخورا بوطنه و تجعل العالم ينظر اليها و يحترمها، و ان كان هنالك اختلاف حول سياستها في الشرق الاوسط و تعاملها مع القضايا العربية، و لكن هذا لا ينفى عنها ان مدرستها لم يسقط فيها احد، بينما سقطت quot;مدرسة الكتاب و لوح الشيخ quot; في المنطقة العربية عند جدار المدرسة التى حيكت لاجل فئة و منع الاخرون من الدخول و لايزال البعض يشبه الالف بكوز
الذرة.
المدرسة الامريكة مفتوح ابوابها حتى شهر نوفمبر لهذا العام لمن يرغب في التعلم و الاستمتاع بانتخابات الجميلة و نظيفة.

د.عبد الفتاح طوقان

[email protected]