بين حين وآخر تنشر الصحف المحلية في كردستان أخبارا عن مصادرة شحنات من المواد الغذائية المنتهية الصلاحية التي يوردها التجار المجردين من ضمائرهم الإنسانية الى الأسواق المحلية في الإقليم. وهناك أطنانا من تلك المواد تكتشفها السلطات الصحية بالصدفة المحضة، أوعن طريق وشاية بعض التجار ضد بعضهم البعض في إطار المنافسة غير الشريفة، وإلا فليس هناك جهاز رقابي حكومي فعال للتقييس أو السيطرة النوعية في كردستان يشرف على فحص المواد الموردة الى الإقليم لبيان مدى صلاحيتها للإستهلاك البشري!.
واللافت في الأمر، أن حكومة الإقليم تكتفي عادة في حال إكتشاف مثل تلك الشحنات بإحراقها وإتلافها فقط، من دون فرض أي عقوبات قانونية على التجار الموردين الذين هم في الغالب الأعم من أزلام الحكومة أو أعوانها إن لم يكونوا شركاء لمتنفذين في السلطة الحاكمة، ففي أقصى الحالات يتم تغريم بعض التجار وهم غالبا من الذين لا ظهر لهم داخل السلطة أو الحكومة بمبالغ بسيطة جدا، وهي عقوبات لا تتناسب بإعتقادي مع حجم الجريمة التي يقترفها هؤلاء التجار بحق المجتمع. فأنا أعتقد، أن توريد مواد غذائية غير صالحة للبشر يعتبر من جرائم الإبادة الشاملة، لأن أفراد المجتمع لا ذنب لهم بإستهلاك مواد غذائية تالفة ومضرة بالصحة بسبب جشع التجار. ويفترض بحكومة تحترم نفسها وتدعي أنها تعمل لخدمة الشعب أن تعلق هؤلاء التجار على المشانق في ساحات المدينة مثلما فعل صدام حسين في التسعينات ببعض تجار بغداد، رغم أن حملة صدام تلك لم تكن بريئة من أهداف سياسية والله أعلم.
ولكن بما أن حكومتنا الرشيدة بدورها لم تعد صالحة للإستهلاك المحلي بسبب الفساد الذي ينهش بأوصالها، فإن التجار أطلقوا يدهم في التلاعب بمصائر الناس. لذلك لا ندري على من نضع مسؤولية تلك الجرائم البشعة التي ترتكب يوميا بحق المواطنين والتي تكلف أرواحهم في بعض الأحيان، فالمواد غير الصالحة للإستهلاك البشري تشكل خطورة بالغة على الصحة العامة، ولذلك فإن قوانين معظم دول العالم تجرم من يجرؤ على طرح تلك المواد في الأسواق، أو الذي لا يتلفها عند تاريخ نفاذ الصلاحية، ولكن في كردستان تتكرر هذه الجرائم في وضح النهار بشكل يومي من دون حسيب أو رقيب ؟؟!!!.
التجار الجشعون في بلدنا تحولوا الى مصاصي الدماء، لا بل أصبحوا دكتاتوريين يتمثلون بالدكتاتوريات الحاكمة،فيفرضون السلع والمواد التي يستوردونها غالبا من دول الإقليم على المستهلكين بسبب عدم وجود منافس حكومي، على إعتبار أن الدولة تسير نحو إقتصاد السوق، كما أنهم أحرار في فرض أي سعر يريدونه على المستهلك الذي يعاني النسبة الأعظم منهم من الجوع والفقر والفاقة، وذلك أيضا في ظل غياب تدخل الحكومة لتسعير تلك المواد خصوصا الإستهلاكية التي تشكل قوت المواطن، أو على أقل تقدير فرض رقابة حكومية على الأسواق التجارية؟؟!!!.
نحن نعلم أن المواد الغذائية وخصوصا المعلبة تعالج بمواد حافظة أغلبها كيمياوية، وفي حال إنتهاء الصلاحية، فإن أغلب تلك المواد تتحول الى مواد سمية ضارة بصحة الإنسان، فبماذا يختلف ترويج تلك السموم في الأسواق عن جرائم القتل المتعمد التي يجرمها القانون؟؟!.
قبل أيام كثر الحديث عن نوعية من حليب الأطفال منتهية صلاحياتها إكتشفها البعض من المواطنين، وفي متابعة مني لهذا الموضوع حصلت على علبة من هذا الحليب، فوجدت أن التاجر المتلاعب قد محا التاريخ المدون على غلاف العلبة الإصلي، ودون تاريخا جديدا على ورقة ألصقها بالمكواة بغلاف العلبة، وهي ورقة كانت قابلة للنزع بسبب رداءة مادة الصمغ؟؟!!.
ومع المتابعة أيضا سمعت من بعضهم أن هناك طرق عديدة للإحتيال والنصب من قبل التجار على المستهلكين. فقد روى أحدهم أن بعض التجار يلجئون الى إستيراد أكياس تعبئة فارغة لبعض المواد الإستهلاكية وخصوصا الشاي الذي يستهلكه المواطنون في كردستان بكثرة، ويحصلون على تلك الأكياس إما من المناشيء التي يستوردون الشاي منها، أو يطبعونها في مطابع أهلية في دول إقليمية ليعبئوا فيها الكميات المنتهية الصلاحية بعد أن يدونوا تاريخا جديدا عليها لإعادة طرحها في الأسواق؟؟!!.
وتبلغ الخطورة مدياتها القصوى عندما يصل التلاعب بتواريخ الإٍستهلاك الى الأدوية المنتهية الصلاحية التي تطرح في الأسواق. ولو علمنا أن أدوية طبية تباع في أسواق كردستان من قبل الأطفال على أرصفة الشوارع، عندها يمكننا تقدير حجم الخطورة في حال ترويج بعض أنواع الأدوية بواسطة هؤلاء الأطفال؟!.
نحن نواجه خطرا كبيرا بسبب إهمال الحكومة لهذا الجانب، فعلى الرغم من أن قرارا صدر مؤخرا بتشكيل جهاز للسيطرة النوعية،ولا أدري إن كان هذا الجهاز قد بدأ بالفعل بمباشرة مهامه، أم لا،ولكن ترك التجار الذين يقترفون مثل هذه الجرائم الماسة بحياة الناس يعتبر جريمة كبرى، خصوصا ونحن نعيش في كردستان ونعلم أن هناك منافذ حدودية تعد بالمئات يهرب منها التجار سلعهم وموادهم التي يستوردونها وخصوصا من إيران، وهي غالبا مواد غير صالحة للإستهلاك البشري يوردها التجار لرخص أسعارها هناك ليبيعونها الى مواطني كردستان، فنحن نعتقد أن تشكيل ذلك الجهاز ومراقبة المنافذ الحدودية الرسمية فقط خطوات غير كافية على الإطلاق، بل ينبغي تسيير فرق مراقبة متعددة يوميا في الأسواق المحلية لفحص المواد والسلع الإستهلاكية خصوصا المواد الغذائية وتقديم كل من تسول له نفسه التلاعب بمصائر الناس الى المحاكم، وليس الإكتفاء بأضعف الإيمان، وهو فرض غرامات قد لا تساوي ثمن كأس من الشراب يرتشفه التاجر الكردي على شرف خادمة فليبينية تخدمه في القصر المبني على حساب قوت الشعب المنكوب.
شيرزاد شيخاني
التعليقات