رد على قول الكاتب عبد الرحمن علي : لهذه الاسباب تركنا صفوف حزب العمال الكردستاني

ان هذا الموقف( مقال عبد الرحمن علي في إيلاف) يتناقض كليا مع الحقيقة الكردستانية ومصلحة الشعب الكردي ومعاناته من ظلم واضطهاد الاستعمار الاستيطاني،، وينسجم مع مواقف أعداء الكرد في جميع أجزاء كردستان دون استثناء. هناك مبدأ عام في استراتيجية الحركات التحررية: ان أفضل سلاح للشعوب المضطهدة التي تناضل في سبيل حقوقها القومية المشروعة حسب مبادئ ومقررات الامم المتحدة هو دائما استعراض الحقيقة، واحترام الانتقاد البناء الذاتي من باب الاصلاح وخدمة القضية الكردية، ولكن ليس من باب الهجوم والافتراء على الآخرين.

ان بعض الاحزاب الكردية وقياداتها تتعامل مع القضية الكردية بعقلية متخلفة بعيدة كل البعد عن التطور السريع للحوادث وتقييمها في عصر العولمة، وهم ـ أي القيادات ـ يأخذون الفكرة الاقليمية برنامجا لهم لعزل الحركة الكردية عن بعضها البعض لمكاسب حزبية وشخصية دون اعتبار لوحدة الاراضي الكردية التي قسمتها الدول الكبرى بعد الحرب العالمية الاولى بحدود اصطناعية ووضعتها تحت تصرف الدول الاقليمية، والسبب في ذلك يعود الى ان التاريخ الكردي المأساوي أصبح عبئا على سياستهم المبنية على التكتيك اليومي والتي تطغى عليها الصبغة الاقليمية الفاشلة. وحتى الآن لم يتمكن هؤلاء ان يضعوا حلا وطنيا واستراتيجية واضحة المعالم على الساحة الكردستانية يقبل بها الشعب الكردي في جميع أجزاء كردستان. الحقيقة الكردستانية تفرض على هذه الاحزاب والقيادات بأن تتخطى هذه الحدود الاصطناعية وان تتسلح بالمفهوم الكردستاني، لأن الحركة التحررية الكردية بحاجة ماسة الى الوحدة الوطنية لمقاومة مؤامرات الدول الاقليمية الموجهة ضد جميع اجزاء كردستان. ان هذه الظاهرة الاقليمية المتخلفة التي تتبناها هذه الاحزاب وقياداتها وتشجعها الدول المحتلة تدخل في دائرة المصالح الحزبية وضمان طموحاتهم الشخصية. يريدون من ورائها شل الحركة التحررية الكردية وتجزئتها لتبقى الساحة الكردستانية مرتعا لهم ولأعداء الكرد. وهذه السياسة منافية للاخلاق الكردية.ولكن شعبنا الكردي بجميع أطيافه ومؤسساته الوطنية الشريفة سوف يتصدى لهم ويقف لهم بالمرصاد.

بعد هذه المقدمة أعود الى قول quot;عبد الرحمن عليquot; الذي يتحدث في مقالته: لهذه الأسباب تركنا صفوف حزب العمال، ويقصد بذلك انشقاق نظام الدين تاش وجماعته اوصمان اوجلان وكاني يلمز وغيرهم الذين باعوا ضميرهم ووجدانهم ووطنيتهم الى القيادة الكردية والحزبين الكبيرين في اقليم كردستان العراق ومن يقف خلفهم لأجل خلق مشاكل ومتاعب لحزب العمال الكردستاني ومحاولة احداث الانشقاق في صفوف الحزب. السؤال الذي يطرح نفسه على ممثلي هذه المسرحية المبرمجة ذات التوجهات السياسية المشبوهة والمخربة : لماذا طرح مثل هذه المواضيع وفي هذه الحقبة الزمنية؟. هل هو لخلق البلبلة السياسية في المجتمع الكردي في تركيا لصالح حزب أردوغان حيث الدعاية الانتخابية لمجالس البلديات على أوجها. وفي هذا المجال صرح أردوغان بضرورة توطيد العلاقات مع أكراد العراق لدعم حزب العدالة والتنمية في الانتخابات من خلال دعوة القيادات الكردية في العراق اكراد تركيا الى التصويت لحزب أردوغان. أم هي مزايدات سياسية على الساحة الكردستانية لمنافسة حزب العمال وللتغطية على فشل القيادة الكردية العراقية وحكومة الاقليم في استرجاع مدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها وتضييقها على قوات حماية الشعب( الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني) تلبية لطلب من الأتراك؟؟؟ أم خدمة مجانية للحكومة التركية لضمان حصول الدعوة المرتقبة لرئيس الاقليم مسعود برزاني أو رئيس حكومته لزيارة أنقرة؟.

في كل الاحوال هي مسرحية سلبية فاشلة لا تخدم قضية الشعب الكردي. ان الكاتب يدعي بناء على قول تاش بأن السبب في هذا الانشقاق يعود الى قرار استئناف الحرب من جانب عبدالله اوجلان بأمر من هيئة الاركان في الجيش التركي بهدف الابقاء على النفوذ الطاغي للجيش في الحياة السياسية والحد من شعبية حزب العدالة والتنمية. ان نظام الدين وجماعته يعلمون جيدا بأن حزب العمال الكردستاني اقترح مرات عديدة وقف اطلاق النار من جانب واحد، وقد تمسك خمس مرات بهذا القرار الذي يكون ملغيا فقط في حالة الدفاع عن النفس، وكرر الحزب طويلاً: نحن مع العمل السياسي والحوار السلمي لحل قضية شعبنا، ولكن الحكومة التركية لم تبدي اية مبادرة ايجابية تجاه موقفنا، وهي التي خرقت وتخرق الهدنة في كل مرة. وهنا اريد ان أسأل quot;عبد الرحمن عليquot; وجماعته المنشقين الذين باعوا مبادئهم: ألم تكن أراضي كردستان الشمال منذ عام 1985 ساحة حرب مدمرة ومستمرة للجيش التركي؟؟؟ الم تفرض الدولة التركية منذ ذلك الوقت حالة الطوارئ والاحكام العرفية على الشعب الكردي؟؟؟، ألم تدمر وتهدم وتحرق الدولة التركية (3500 قرية كردية) وتهجر أهلها الى المدن التركية ودول العالم؟؟؟، ألم تتآمر تركيا وامريكا واسرائيل على القضية الكردية في تركيا وتقم بعملية القرصنة واختطاف قائد الحركة الكردية وزعيم حزب العمال عبدالله اوجلان؟؟؟ اذن هل تملكون القليل من الحكمة والصواب والذكاء والحقيقة الكردستانية كي تفرقوا بين المعتدي والمعتدى عليه، بين الضحية والطاغية؟؟؟؟. ثمة لماذا خلط الأمور والمزج بين الذي يصعد العملية العسكرية والذي يطالب بحقوقه القومية عن طريق السلام والحوار؟؟ بين مأساة الشعب الكردي من ارهاب الدولة واستقبالكم للمنشقين للطعن في صميم الحركة الكردستانية والوحدة الوطنية؟.

لا يستطيع أحد ان ينكر عدا quot;عبد الرحمنquot; ومن يقفون خلفه بأن تصرفات المنشقين الانتهازية هذه جاءت بناء على تدخلات دولية واقليمية وكردية مشبوهة لشل النضال الكردي في تركيا. ان هؤلاء المنشقين اصبحوا دمية بيد حكومة الاقليم بحزبيها الكبيرين لأغراض سياسية منها اضعاف حزب العمال الكردستاني المنافس الوحيد لهذين الحزبين على المستوى الكردستاني، وتعميق الانشقاق في صفه، وهذا يعني ضرب الحركة الكردية داخل تركيا، وبناء على تنفيذ هذا المخطط تم اقتراح تشكيل حركة جديدة بمشاركة المنشقين من كردستان تركيا، أطلقوا عليها (حزب الوطنيين الديمقراطيين الكردستانيين)، معلنين في الوقت ذاته نبذهم للكفاح المسلح وهي الاسطوانة التي اخترعتها الحزبان الكبيران في كردستان العراق، وترددها في جميع المجالات السياسية والاجتماعية في اطار منظماتهم ومجتمعاتهم، وكأنهم جاءوا الى السلطة بدون الثورة المسلحة واراقة دماء عشرات الآلاف من الضحايا؟.

ان الذي ينسى تضحيات شعبه بعد الوصول الى سدة الحكم، لن يمنح اية قيمة ثورية وطنية لتضحيات الآخرين، ومن هذا المبدأ احتضان الحزبين الكرديين في العراق للمنشقين الذين تنكروا وتنازلوا عن الثورة المسلحة داعين السلطات التركية الى الحوار من أجل حل القضية الكردية سلميا على اسس فيدرالية، وهذا الموقف ينسجم تماما مع برنامج أردوغان الذي يقول: وضع خطة سياسية متكاملة للتصدي لحزب العمال، وحل القضية الكردية من خلال حوار يكون الاول من نوعه مع الاطراف السياسية الكردية التي طالما تجنبت الحكومة للتحاور معها وهنا يقصد أردوغان هؤلاء المنشقين الذين باعوا أنفسهم لعدو الكرد التقليدي المتمثل بشخصية اردوغان وسياسته الديماغوغية.

جدلا ان هؤلاء المنشقون على صواب ومن وافق على احتضانهم، لماذا لم يغادروا كردستان العراق بمرافقة وفد من الحزبين الكبيرين الى أنقرة لحل المسألة الكردية مع أردوغان والعسكر؟؟ هل يخافون من السجن أم من غضب وسخط الشعب الكردي عليهم المتضامن مع حزب العمال وزعيمه عبد الله اوجلان؟.
لماذا تطالب الدولة التركية الحوار مع المنشقين ومع قيادة اقليم كردستان العراق وترفض الحوار مع ممثل الشعب الكردي في تركيا: حزب العمال وزعيمه؟؟؟. الجواب بسيط: ان حزب العمال أمين ووفي للقضية الكردية ويمثل ارادة الشعب الكردي في الدفاع عن حقوقه دون تنازلات ودون المساومة مع أعداء الكرد والدول الاقليمية المحتلة لكردستان، ومخلص لمبادئه الكردستانية. وهو يناضل في جميع أجزاء كردستان باستراتيجية شفافة وعلى كافة المحاور سياسيا واجتماعيا وثقافيا وحمل السلاح للدفاع عن طموحات الشعب في الحرية، والحفاظ على مكاسب الحزب.

أما وجود حزب العمال في جبال قنديل أرض الأباء والأجداد فانه يمثل أول خطوة جريئة لحزب كردستاني في تجاوز الحدود الوهمية والاصطناعية التي رسمها الاستعمار بين اجزاء كردستان. على المنشقين ان يدركواجيدا انه لا يستطيع أحد ان يحافظ مع الدول المحتلة لكردستان على هذه الحدود الوهمية طالما هناك ارادة كردية. يقول القائد العسكري لقوات حماية الشعب الدكتور باهوز أردال: نحن هنا منذ 25 عاما وتحديدا منذ 1982، اننا لم نأت الى هنا بإذن من أحد لأن هنا أرض كردستان. نحن نقول أولا وأخيرا على أحقية قضيتنا وعدالتها، ومن الدعم اللامحدود الذي يبديه الشعب الكردي لنا، وجودنا هنا مرتبط بالقضية الكردية وحلها في المنطقة.

ان هذا التصريح القوي يدل على تصميم حزب العمال في استمرارية المعركة والثقة الكبيرة بقوات حماية الشب وتضحياته. اما فيما يخص بترك السلاح فهذا أمر متروك لحزب العمال وبالمواقف العدائية للدول المحتلة وعلى رأسها الدولة التركية العدو التقليدي للكرد.

الحق للقوة وليس قوة الحق المفقودة دوليا: ان الكرد يملكون في الظروف الراهنة الكفاءات العالية التي لم تكن بحوزتهم في وقت ما: اقتصادياـ سياسياـ ثقافيا ـوعسكريا، واضافة الى ذلك القيمة الاستراتيجية لجغرافية كردستان، ولكن مع الاسف الشديد لم يكن بمقدورهم استغلال هذه الطاقة لصالح القضية الكردية وتشكيل جبهة وطنية كردستانية لتبني الاستراتيجية العامة للحركة التحررية الكردية في جميع أجزاء الوطن المحتل. السبب في ذلك يعود الى غياب هذه الجبهة وتشتت القوى الاساسية نتيجة الظاهرة الاقليمية التي تتمسك بها بعض الاحزاب الكردية وقياداتها وبدعم من أعداء الكرد، لا لشيء سوى بسبب المصالح الحزبية والشخصية والعشائرية وهكذا تستفرد الدول المحتلة في محاربة الكرد حسب الخطة المدروسة من قبل المؤسسات الامنية لها والتي تحاول تأجيج القتال الداخلي والنزاعات بين المؤسسات الكردية، وأخيرا نلوم بعضنا البعض وننسى الاسباب الحقيقية لهذه النكسة والمؤامرة الموجهة ضد شعبنا. لو تمكنت الاحزاب الكردية وقياداتها بالتنازل عن مصالحها الاقليمية وتعاملت مع القضية الكردية بالتعقل والصواب وأعطت الاولوية للوحدة الوطنية، لتمكنت بهذه الامكانيات من تدويل المسألة الكردية على المستوى الدولي وفي هيئة الامم المتحدة، لحصلت على مكاسب وطنية ودعم دولي في حل المسألة الكردي سلميا كما يطمح اليه الشعب الكردي.

د. أحمد رسول
طبيب ومحلل سياسي كردي