بعضهم سماها مدن الملح، ومنهم من أطلق عليها اسم أرض السواد أو أرض الرمال، اختلفت التسميات وتعددت لكن الموصوف ظلّ واحدا. أرضٌ عرفت أسوء طرق الحكم عبر العصور والأزمان ولاتزال، فالاستبداد والتلسط على المحكوم هي السمة الغالبة على أولياء أمورنا، الذين اشتهروا بقلب الحقائق وتدليس الأمور، وشراء الذمم أوقطع الأرقاب. لقد ارتكبوا كل هذه الموبقات من أجل تخذير الرأي العام مخافة ثورته عليهم.

من أمثلة التدليس المعروفة لدى أهل السطوة، التلاعب بالإعلام وتكييفه حسب الأهواء، وذلك بإبراز عبارات دون غيرها وحذف كلمات وشطب مفردات والتركيز على معان وإغفال أخرى في حركة مستمرة لاستغباء الرعية وضمان إغراقها في بحر الظلمات.

فمثلا، عندما تقول منظمة حقوقية: إن هذه الشلّة الحاكمة فاسدة وتنتهك حقوق الإنسان -وهي في الواقع كذلك- فإن رد فعل الشّلّة لا يركز على سياق الوصف و لبّ العبارة، بل على السباق واللحاق.

(السباق):التركيز عليه يكون بتشكيك الرأي العام في أصحاب التقرير، كطرح أسئلة مغرضة تصب في تخوينهم، مثل القول:نحن نعرف من يحركهم أو يقف وراءهم، ونملك معلومات على الجهة التي ينتمون إليها.

(السياق) وهو الأصل: يمر المتسلطون مرور الكرام على العبارة الأم وهي التي تصفهم بالفساد وانتهاك الحريات وممارسة التعذيب.

(اللحاق): كقولهم هذا بعضٌ من الحق أريد به باطل، فتقرير المنظمة يهدف إلى المساس بسيادة الوطن وتهديد استقراره، وبالتالي فسح المجال لقوات أجنبية لاحتلاله و تخريبه.

قلب الحقائق وتدليس الأمور ليس جديدا في أرض الرمال، فأولياء أمور الرعية استعملوه حتى مع النص القرآني المقدس لتحقيق رغباتهم الجنسية. وأسوق هنا مثالا ركزوا فيه على (السياق) هذه المرة، لأنه يستجيب لنزاواتهم.

(السباق) وهو الأصل هنا: فالآية الكريمة التي نزلت في حقوق اليتامى حثت المسلمين على كفالة اليتيم والرأفة به، وقد نزلت في تلك الحقبة التي شهدت مقتل أعداد هائلة من المسلمين في الحروب التي خاضوها. الآية هنا هي الموضوع الرئيس.

(السياق) ثم جاءت بعدها آية تعدد الزوجات كإحدى الحلول لهذه المشكلة الاجتماعية التي بدأت تعاني منها دولة الإسلام الفتية.

(اللحاق) هنا يأتي الشرط الذي يجب أن يتوفر وهو العدل بين الأزواج بالرغم من الإقرار باستحالته، بمعنى أن المسلم الثري والقادر على الزواج والصرف على أرملة بأيتامها يمكنه أن يسهم في حل هذه المشكلة.

أصحاب السطوة ركزوا فقط على مثنى وثلاث ورباع، وأطلقوا العنان لشهواتهم في نكح البنات البكر، والثريات، وصاحبات القد والبهاء، وذوات الجاه والصيت، فتركوا الأرملات والمطلقات والفقيرات وهجروا أم أولادهم في الفراش، لأن جسدها أصبح غير صالح للاستعمال وانتهت مدة صلاحيته.

الشاهد هنا أن أصحاب السطوة يمكن أن يدلسوا أكثر النصوص تقديسا فما بالكم برأي المعارضة أو تقارير منظمات حقوق الإنسان، أو صيحات المدحورين في قاع مجتمعات أرض الرمال.

سليمان بوصوفه