من قال إن تاريخنا لا يحوي سوى الأمجاد والبطولات وأن أجدادنا جميعا كانوا نماذج لم تتكرر في النبوغ والعبقرية؟
من ضحك على عقولنا وأفهمنا أننا حالة فريدة ليس لها مثيل وأن الآخرين ظلال باهتة لحضارتنا الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ؟
لماذا لا نتواضع قليلا وننظر إلى أنفسنا والآخرين بطريقة موضوعية حتى يمكننا معرفة الحقيقة المجردة ولا شيء غير الحقيقة؟!
لماذا لا نعيد قراءة تاريخنا بتجرد حتى يمكننا الحكم بنزاهة على ماضينا وحاضرنا؟ وبهذه المناسبة لماذا لا نقرأ أيضا تاريخ الآخرين؟!
والأفضل من ذلك لماذا لا نعيد كتابة تاريخنا بحياد بعيدا عن العنتريات والمبالغات؟ بالتأكيد في ماضينا نماذج فذة من العبقرية والشجاعة والانتصارات ..و لكن فيه نماذج أخرى من التخلف والانحطاط والخيانات.
في دفتر أحوالنا أمس واليوم وغدا أحداث مشرفة وحوادث مشينة.. وعلينا أن نتخلى عن أوهام العظمة الفارغة حتى نفهم من نحن وكيف كنا وإلى أين نحن صائرون؟!

في البدء علينا الاعتراف صراحة أننا أصبحنا قوما لا نجيد غير الكلام وتترك الأفعال للأمم الأخرى!
في حروبنا نهدد ونتوعد وننهزم..وفي سلامنا ننبطح ونؤثر السلامة ويسيطرون علينا..وفي علاقاتنا العامة والخاصة نتكلم كثيرا دون أن يعني كلامنا شيئا ..نعد ولا نفي، نتعهد ونكذب، نحلف و ننكث!
نؤكد لأنفسنا ولغيرنا ولأولادنا أهمية الكلمة التي لا تعني شيئا عندنا لأننا في الواقع باعة كلام..نولد ونحيا ونموت في ظل الكلمة..التي لا نلتزم بها أبدا لأننا لا نعرف معنى الالتزام..وهكذا سنظل في مؤخرة القبائل والقوافل إلى أن نتعلم كيف نحترم كلمتنا!

علينا أن نعترف لأنفسنا صراحة أننا مازلنا مبهورون بالخوارق التي تسيطر على عقولنا لدرجة أننا جميعا نحلم بمعجزة تهيئ لنا الانتصار بلا تضحيات على أعدائنا!
رجالنا يحلمون بمعجزة تحقق لهم الثروة والسلطة والجاه والحيوية الدائمة والخلود..ونساؤنا يحلمن بمعجزة تضمن لهن الثروة والحب والأنوثة الطاغية والجمال الدائم والخلود!
زعماء عشائرنا يحلمون بمعجزة تخلصهم من الحرافيش الذين أصبحوا عبئا عليهم في تقاسم السلطة والثروة.. والحرافيش يحلمون بمعجزة الخلاص من الطغاة والمستبدين!
دائما ما نعلق عجزنا وخيبتنا على شماعات الحسد والسحر والجن والشياطين والنصيب ونلتمس العون من السحرة والدجالين والنصابين وبائعي الأوهام!
لا نفعل شيئا بل نحيا في انتظار معجزة لا تتحقق، ثم نموت قبل أن ندرك أن عصر المعجزات ولى ولن يعود..!
وعندما نسمع أحدهم يكلمنا بصراحة عن حالنا سرعان ما نقذفه بالأحجار..ملعون من حدثنا عن عيوبنا وحاول إيقاظنا من سباتنا العميق!
مرجوم من تجاسر على تحطيم أصنامنا وتابوهاتنا التي ندور حولها من المهد إلى اللحد..
راضون نحن بما نحن فيه..غارقون في الفقر والجهل والمرض والوهم..لا نريد أن نتحرر..لأننا نخاف المغامرة ونعشق الجمود.
زعماء قبائلنا وضعونا في مغارات ثلجية..جمدونا..بل إنهم جمدوا الزمن المحيط بنا...عقارب ساعاتنا لا تتحرك للأمام مثل باقي الأمم ..إنها جامدة بل في حالات كثيرة تسير إلى الوراء..هل تظنون حقا أننا في عام 2007 بعد الميلاد وأننا في الألفية الثالثة؟!
ألا تؤكد أحوالنا البائسة والمؤسفة أننا نعيش في وهم كبير؟!

عبد العزيز محمود
* كاتب وصحفي من مصر
[email protected]