قد يتففق المصطلحان من حيث المفهوم المجرد وعمومياته. فالحرب العادلة التي وردتْ وفقاً وقسراً لما نشرته الكنيسة الكاثوليكية منذ قرون والى عالمنا اليوم تدخل أيضاً في مصطلحات ومعاجم العلوم الحربية والعسكرية، كما يتبناها رجال السياسة والفكر السياسي الغربي في أنكلترا والولايات المتحدة. فنظرية الحرب العادلة كانت النبض الأول في تحريك وتحريض شعوب الغرب الأوربي الأمريكي وتحشيد الرأي العام المحلي والعالمي عند شن الحروب وتبريرها من الناحيتين الأخلاقية والدينية. ولعل السبب الأخر الأكثر وضوحاً في المجتمعات الغربية لهذه التسمية هو أنه من الصعوبة أعلان الحرب لما فيها من عدوانية وقسوة ودمار وتمريرها الى عامة الناس دون لجوء السلطة التنفيذية والقوت المشتركة في القتال الى أخذ الموافقة الشكلية العلنية للأسباب الموجبة من سلطة ألهية عليا ممثلةً في الكنيسة وعلماء الدين والعامة.

فالمفاهيم الأخلاقية والدينية تُحرم الحروب العدوانية والقتل وتدعو الى نشر المحبة والأخوة والتسامح الأنساني، كما وردتْ في تعاليم المسيح عليه السلام، ووردتْ في الأسلام في آيات عديدة في القرآن الكريم والسنة الشريفة.
وقد يسخر البعض منّا ويتساءل: أذن، من قام بالحروب والحملات التي جلبت الويلات على الشعوب منذ بدء الخليقة الى اليوم؟ ومن يقوم بها ويحرض عليها اليوم ؟ فلقد جرتْ تحت باطن المُسميات الحربية (العادلة والجهادية ) أكبر الجرائم التي مرتْ بها الأنسانية ولعبتْ النبض الأول في جرائم مؤكدة تاريخياً، كجرائم الرق والعبودية التي رافقتْ الحملات التبشيرية وجرائم الحروب الأستعمارية التي شنها الغرب لأستعباد الشعوب وضمها الى quot; مملكة الرب quot; في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا خلال القرنين الماضيين. وهذا التسائل في محله، وللأجابة عليه يتطلب على الأنسان الأبتعاد عن تشويه صور الديانات، فالدين ليس بالضرورة محصور بارادة رجال الدين، كما أن التحلي بفضيلة الدين وواقعيته في تزويد البشرية بأمثلة وخلاصة نقية للتعامل الخلقي والتعبد الى لله وعدم quot; الشرك به وألأضرار بالناسquot; هي قيّم وتعاليم وضعية أيضاً، وقد وضعت أساساً لتهذيب سلوكية الأنسان في مجتمعه. كما أن الجدل التاريخي للموضوع من ناحيته السياسية فقط قد يضعنا في موقف المحاججة الغبية التي تستند الى الأراء الشخصية للأنسان الأحمق، كما يقول المثل الأمريكي quot;لاتجادل الأحمق، لأنه ليس في أستطاعة الناس معرفة الفرق بينكَ وبينه quot; كما أن معظم الناس في العالم الأسلامي والعالم الغربي يدركون التشويه الذي أدخلته الحملات الصليبة مثلاً على الدين المسيحي وتعاليمه السمحة التي لاتتصابق مع مافعله الصليبون، كما يدرك المسلم، الوجه المشوه الذي أدخلته الحركات الجهادية المبطنة بغلاف سياسي لتقويض المجتمع المدني وقيّمه، كالأرهاب في الجزائر وحركة أبو سياف في جنوب الفلبين وحركة طالبان في أفغانستان والدعوات الجهادية التي تتبناها القاعدة في العالم العربي اليوم والتخريب الذي ألحقته في العراق، الى الدرجة التي أصبحت فيها كلمة صليبي في العالم الأسلامي ترادف كلمة مجاهد في العالم المسيحي الغربي.

لذلك أودُ أن أستدرك وأقول بسرعة قبل الأستمرار بالموضوع، بأن الغربيين عموماً، وخاصة الطبقات السياسية المثقفة العسكرية والمدنية منها، تعترف وتتفق بأن الجرائم التي أرتكبها الغرب، عند مواجهتهم بحقائقها التاريخية في أي مناظرة أو نقاش يخص الموضوع، هي وصفة الشر التي لم تنزل في التعاليم السماوية الرفيعة، وأنما أدخلتها القوى الدينية المتطرفة لضمان ديمومتها وأستمرار مصالحها.
لذلك تجد النقيض الخّير الذي يحاربها، وتدفع الدول والمنظمات الأنسانية والدينية الخيرة عن أخطاء هذه الجرائم من أموالها ووضميرها لتضمن وجودها كمجتمعات متمدنة أموالها ووضميرها لتضمن وجودها كمجتمعات متمدنة Civilized Societies
ولايزال منظرو الحروب يرون أن التعريف الحقيقي للحرب يطابق في معظم الأحوال ماذكرهُ كارل فون كلوزفيتر أعظم شخصية عسكرية ألمانية في مؤلفاته quot; بأن الحرب هي أستمرار لسياسة الدولة بوسائل أخرى أكثر عنفاً quot;. وقد تسقط مفاهيم الحرب العادلة والحرب الجهادية بحلول مفاهيم مقبولة للمجتمع، فلا يوجد في الحرب أي مبدأ للقدرة السماوية وقد لاتصمد أفضل وأدق عقائد الحرب العادلة والجهادية وأكثرها أكتمالاً أِلا لفترات قليلة بمجرد بدء الأعمال العدائية، لتعود المشيئة الألهية الى مكانها الطبيعي.
وقد لايّعدُ خروجاً عن صلب الموضوع القول بأن حركات المقاومة الناجحة، كانت على الدوام مقبولة داخل المجتمع، نظراً للأعتراف الجماعي للمجتمع المدني لها ودعم أبناء الوطن وقبولهم الطوعي برفع المجاهد للسلاح وحماية المقاتل. ولذا نجد التعريف العلمي والديني المعاصر بأن مايميز المجاهد عن الأرهابي بكل بساطة هي ظهوره العلني دون لثام أو خوف بين أبناء شعبه ومدينته وقصبته، ولايقوم بتخريب بنية أرضه التحتية كما يحمل المجاهد الرمز والشعار الوطني الذي يمثل المقاومة الوطنية للمستعمر، كما هو الحال في حركة المقاومة الفلسطينية ضد الصهيونية والمقاومة الفرنسية للنازية وحركة التحرير الجزائرية.
ولعله من الغريب أن تتفق مفاهيم الحرب العادلة مع مفاهيم الحرب الجهادية عند مقارنتهما. فالحرب لاتخاض الا بوجود قضية. كما أنها تستخدم الدين كذريعة وأن القادر سبحانه وتعالى قد أوحى بها ورخّصَ بشنها، وأنها تخاض بحق لدرء عدوان قد وقع أو وشيك الوقوع. ولاتختلف في هذا الشأن الديانة اليهودية كما وردت في العهد القديم وتعاليم الصهيونية بأن الله وقف معنا في حروبنا الجهادية لأستعادة أرضنا، أرض الميعاد والعودة.

أن الأندماج الحضاري والتأخي الأنساني لن يتبوء الموضع الحقيقي الصحيح له مادامت هناك دعوات دينية في الغرب والشرق وتقاد من قبل الصهيونية العالمية التي تثير الأحاسيس في الغرب والتحريض المنظم ضد الأسلام وتمادي بالحديث عن تصادم الحضارات، لأن أثارة الغرب ضد الأسلام يصب في مصلحة أسرئيل. ولعله من المؤسف أن هناك العديد من الأشخاص الذين لهم مواقعَ دينية متميزة في المجتمعات الغربية المتحضرة ويمتلكون من الثروة والقنوات الأعلامية يبثون البدع والتشويه والتشهير بالأسلام في عمل مستمر ومتقن في غسل الدماغ بأن الجهاد الذي يقوده العرب أساساً هو لتقويض وأنهاء الديانة المسيحية والحضارة الغربية، كأمثال رجل الكنيسة الربانية بات روبنسون في الولايات المتحدة رغم الصفعات التي يتلقاها من القوى الدينية المتطلعة والواعية كقوى التحالف المسيحي الأخرى.

ولتوخي الدقة التاريخية والألتزام بالموضوعية، لابد لي أن أذكر أن الحروب العادلة والحرب الجهادية تتماثل من حيث الرؤية الأخلاقية بأصدار تعليمات دينية محّددة عند خوض القتال، وأِن كانت في معظم الحالات لاتتمسك أو تلتزم بها، لكنها ترى الضرورة لها، لقناعاتهم الفكرية بأنها أرادة الرب المباركة، ونظراً لما للدين من هيبة في نظر العامة. فهي تُحرم العقاب والقتل الجماعي والتخريب المتعمد والمعاملة الأنسانية لأسرى الحرب، وعدم أنتهاك الحرمات، ومعاملة الشيوخ والنساء والأطفال بالحسنى، وعدم مصادرة أو سرقة الممتلكات الخاصة.
فهل هذا مايحصل حقيقةً ؟

وقد تكون رغبتي في أعطاء الأجابة مسهبة ومطولة على القارئ، لذا قد يكون من المستحسن ترك الجواب لذوي الأختصاص الثيولوجي للوصول الى أستنتاج يستند الى نصوص كنسية و تفسير دقيق للنصوص الدينية نظراً لتعددها وتناقضها مع حقائق دنيوية تاريخية.

وختاماً، لربما من المناسب التوضيح بأن الرؤية الأخلاقية وتغليب الأرادة الآلهية وتبريرها عند أتخاذ قرار الحرب هي مجرد أحتضان نصوص وتنظيرها بأراء وعقائد غرضها شن حرب عدوانية غير مقدسة بصياغة آلهية وأرادة مباركة من الله.

ضياء الحكيم

[email protected]