تظهر بين الفينة والاخرى اقوال او فتاوى يطلقها اشخاص ، تترك تبعات ثقيلة على الامة وتدخلها في جولات جديدة من الجدل العقيم ومنها فتاوى التكفير ، واول اختلاف حدث بين المسلمين ادى الى تكفير الطرف الاخر وقتاله هو ما حدث لمالك بن نويرة في حروب الردة وقتله على يد خالد بن الوليد، فقيل ان ابن نويرة مرتد كافر يجب قتاله فيما قال اخرون بانه مات على الاسلام الا انه وقومه امتنعوا عن دفع الزكاة للخليفة لسبب ما، وبعد حروب الردة تجرأ الخوارج على تكفير مخالفيهم واستباحوا حرمهم واباحوا قتلهم، فالتكفير ليست عملية بريئة مجردة من التبعات وانما هو عمل يؤدي بالنهاية الى قتل واراقة دماء.


وان من فكر من الخوارج عاد الى الصف العام ورجع عن التكفير حيث استطاع عبدالله ابن عباس اقناع جماعة منهم قيل انهم يزيدون على اربعة الاف نفر فاعادهم الى معسكر الامام علي بن ابي طالب.


التكفيري في العادة لا يفكر والتفكيري لا يكفر وان حرف الكاف الذي يتقدم في التكفيرفيشينه ويتاخر في التفكير فيزينه يقلب الموازين راسا على عقب
التكفير لا يستطيع التعامل مع التاريخ والجغرافية والعلوم الانسانية الاخرى بينما الفكر يتعامل مع الحقائق وتفاصيل الحياة اليومية بكل لطف.
ويقال ان الشيخ جلال الدين الحنفي وهو سني المذهب ذهب الى النجف الاشرف ليطلب من المراجع الدينية هناك اصدار فتوى بتكفير الشاعر معروف الرصافي لنشره قصائد تحتوي على نفس الحادي ولكن المراجع رفضوا ذلك باعتبار ان اعذب الشعر اكذبه ويمكن تفسيره بعدة معاني ، علما بان الشيخ الحنفي كان متحاملا على الرصافي لاستهزاءه في قصيدة له بعمامة الحنفي الصغيرة واشادة الاخير بشعر جميل الزهاوي الذي كان منافسا للرصافي.


وقد اسقط مؤخرا احد كبار رجال الدين نفسه من انظار العلماء عندما اصدر فتوى بتكفير شريحة كبيرة من المسلمين لمجرد اختلافه معهم في الرأي، في الوقت الذي كان عليه ان يعمل على رأب الصدع ووحدة الكلمة كجزء من واجب العلماء العاملين تجاه الامة ، وكرد فعل طبيعي على هذه الفتوى تصدت اقلام من الطرف الاخر للرد ، فتم استهلاك الكثير من الجهد والوقت والمال والورق على قضية مطروحة من مئات السنين ، ولا ولم ولن يتم الاتفاق عليها وافضل طرق حلها هو مداراة الطرف الاخر والتعايش معه خاصة وان الدين الواحد انتهى بظهور المذاهب المتعددة ، وقد احصت كتب الملل والنحل والفرق اضعاف ما جاء في الحديث من ان الامة ستفترق الى ثلاث وسبعين فرقة ، واضطر المتخصصون الى تأويل هذا الحديث بطرق مختلفة للتخلص من المعضلة ، وبرزت الحقيقة المرة وهي ان التمذهب والتدين نقيضان لا يلتقيان ابدا ، وان هناك مسؤلية كبرى تقع على عاتق المخلصين من علماء الامة منها التوجه الى التفكير بدلا من التكفير ، فالتفكير يجمع والتكفير يفرق ، وان الايات القرانية الكريمة والاحاديث النبوية الشريفة التي ترغب في التفكير كثيرة وقد لا تقابلها اية واحدة او حديث واحد في تكفير اهل القبلة ، والمفكرون اناس على مستوى من الرقي والسمو فيستطيعون التعايش مع بعضهم مهما كان حجم الخلافات القائمة بينهم ، والتكفير اعلان عن الهزيمة ويبدأ حيث ينتهي التفكير ، واما اذا تحول التفكير الى التكفير فتحل عند ذاك الكارثة، واي كارثة اكبر من ان تقوم جماعة من الخوارج بتكفير شخصية استثنائية مثل الامام علي بن ابي طالب.


فالتفكير يعطي الحياة والتكفير يعطي الموت والقتل والدمار ومعاداة الجمال حتى يؤدي بالبعض الى التطاول على تماثيل باميان وملوية سامراء وقبة العسكريين وضريح الجيلاني ، ولو تُرك لهم المجال لنفثوا احقادهم على عجائب الدنيا السبع ونسفوها من الاساس.


فالتكفير خط متعرج يربك العلاقات الانسانية ويربك الاديان والمذاهب والبلاد والعباد ويدخلهم في حروب عبثية لا طائل منها كما حدث في النهروان في الماضي او كما يحدث في العراق وافغانستان في العصر الراهن ، فالحرب يجب ان تكون اخر الحلول للخلافات القائمة التي تحتاج الى فكر وعقل وتفاهم.


التفكير يؤدي في حالة حدوث كارثة طبيعية في مكان ما الى المبادرة بتقديم المساعدات الانسانية للمنكوبين بغض النظر عن اللون والجنس والمعتقد ، واما التكفير فانه يمنع مساعدة من يدخلون في دائرة الكفار كونهم لا يستحقون المساعدة ومن هنا يتبين بان التفكير ينتهي دائما الى الايجاب وان بدأ سلبيا ، فهذه الدنيا ميدان حرب مستمرة وكل له سلاحه فهؤلاء سلاحهم الكلمة واولئك سلاحهم الخنجر ، مع ان السيف ليس دائما اصدق انباء من الكتب ، وسيظل هذا الصراع قائما وهذه الحروب مستمرة حتى يحشر الله عباده يوما فينبئهم بما كانوا فيه يختلفون ، فالتكفيري لا يفكر والتفكيري لا يكفر فهما كما قلنا نقيضان وان تشابهت احرفهما ، وعدم التفكير لدى ارباب التكفير يجعلهم يسعون الى هدم الكعبة وسرقة الحجر الاسود وتحطيم التماثيل وتفجير الاسواق والجامعات وتفخيخ جسر الائمة، و وأد البنات والبنين والتكفير يقتل الصالحين كما قتل القوم الحسين بن علي ، واما التفكير فانه يعيد الحر بن يزيد الرياحي وزهير بن القين العثماني الى جادة الصواب ، والتفكير يحترم دور العبادة والكنائس والاديرة وقبور الصوفية وتماثيل بوذا ، اذ ان العقل هو من آليات التفكير وهو اشرف واعظم من آليات التكفير الذي يضم كل شئ ما عدا العقل ، فالعقل يأتي مقابل الجهل كما ان الخير يقابل الشر (دائما ).


وهذا القران الحكيم الذي يخبرنا بانه لا يضرنا من كفر واتخذ له سبيلا غير سبيل الرشاد ووضع لنا قاعدة ذهبية نتعامل بموجبها مع الطرف الاخر ، وهي كما في الاية الكريمة ( لكم دينكم ولي دين )
والفرق بين الكفر والفكر ليس موقع الكاف فحسب.

حسين ابو سعود

[email protected]