1-مغنية ضد الكويت:
زيارة رئيس وزراء الكويت إلى سوريا ولقاء الرئيس السوري تمت في يوم الاثنين 12 شباط واغتيال مغنية حدث في 12 شباط أيضاً ويبدو أن سوريا لم تكن تريد من الكويت أكثر من quot;وساطةquot; يمكن أن تقوم بها لإقناع السعودية بأن العرب يمكن أن يتم اجتماعهم ndash;حتى-بدون quot;رئيس جمهورية لبنانيquot;. اغتيال عماد مغنية ورئيس وزراء الكويت يزور سوريا قد يقرأ على أكثر من طريقة. إذا سلّمنا بأن سوريا لا يد لها في اغتيال مغنية فإن الرسالة السيئة التي يمكن أن تصل إلى الكويت أن سوريا أخفت خبر وجود quot;مغنية على أراضيهاquot; وهو المطلوب أمنياً لدى الكويتيين، يكفي أن نعرف أن مغنية هو أكثر إرهابي أزهق الدم الكويتي البريء ؛ يكفي أن نعلم أنه وفي 1 مايو 1985 نجا أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، من محاولة اغتيال شرسة حينما قاد انتحاري سيارة محملة بالمتفجرات متجهاً نحو أمير الكويت أصيب الأمير على إثرها بإصابات طفيفة، وأسفرت المحاولة عن مقتل 12 شخصا من حرس موكب الأمير وبعض المدنيين الأبرياء وأثبتت التحقيقات أن المحاولة جاءت بأمر شخصي من quot;عماد مغنيةquot; ولم يقف استهداف هذا الرجل quot;للكويتيينquot; فهو نفسه وفي 25 مايو 1985 قام بزرع متفجرات عالية التركيز في مقهيين شعبيين في مدينة الكويت، أسفر الانفجار المرعب عن 11 قتيلا و89 جريحا، معظمهم من الأطفال والنساء والمسنين بعدها اتصل مساعد عماد مغنيه بالسلطات الكويتية معلنا مسؤوليته ومهدداً بالمزيد.
استمر مسلسل الانتحار واستهداف quot;الكويتينquot; ففي 29 ابريل من عام 1986أعلنت قوات الأمن الكويتية أنها أحبطت محاولة ستقوم بها مجموعة مكونة من 12 شخصا لخطف طائرة 747 تابعة للخطوط الجوية الكويتية والاتجاه بها إلى مكان غير معلومٍ في شرق آسيا وبعد التحقيق أشارت أصابع الاتهام مجدداً إلى عماد مغنيه الذي لم يبتعد كثيرا عن تنفيذ تهديداته للكويت عندما قام في العام 1988 بخطف الطائرة الكويتية quot;الجابريةquot; وتحويلها الى مطار quot;مشهدquot; الإيراني، ثم إلى مطار لارنكا في قبرص، وقتل الكويتيان عبدالله الخالدي وخالد أيوب بإطلاق الرصاص بيده على رأسيهما ثم رميهما من الطائرة، وأخيرا توجهت الطائرة إلى الجزائر حيث أطلق سراح الخاطفين قبل المخطوفين، الذين خرجوا من المطار ليلاً بعد إطفاء الأضواء بسيارة.
وطالب مغنيه حينها ndash;بناءً على أوامر مباشره من حزب الله اللبناني- بإطلاق 17 سجينا ينفذون أحكاما مختلفة في الكويت بعد قيامهم العام 1983 بواسطة منظمة تابعة للحزب تدعى quot;الجهاد الإسلاميquot; بتفجيرات استهدفت في يوم واحد الآتي: محطة الكهرباء الرئيسية، مطار الكويت الدولي، السفارتين الأميركية والفرنسية، مجمع صناعي نفطي، مجمع سكني، وبلغ عدد القتلى 7 أشخاص و62 جريحاً جميعهم من المدنيين والفنيين العاملين في المواقع النفطية والسكنية.
وجود quot;إرهابيquot; له هذا التاريخ الانتحاري ضد quot;الكويتيينquot; في سوريا يعتبر quot;فضيحةquot; سياسية وهو الأمر الذي يفسّر تأخر نبأ الإعلان عن المستهدف بالانفجار حتى ساعات متأخرة، هذا وفق فرضية عدم علم سوريا بحادث quot;التفجيرquot; أو عدم إذنها بوقوعه. أما من جهة أخرى فقد تكون الأيادي المخابراتية هي المسؤولة عن quot;اغتيالهquot; نظير تاريخ quot;أوامرquot; يحملها هذا الشخص من قبل بعض الأجهزة فهو يلتقي استراتيجياً مع الأجندة السياسية التي تحملها سوريا وإيران حالياً في ظل الموقف الدولي الحادّ ضد هذين البلدين، هذا فضلاً عن كون وجود مغنية في سوريا بحد ذاته يعتبر رسالة مخابراتية إلى الدول العربية.على كل حال فإن اغتيال مغنية يفتح عدة قراءات، أرْجحُها أن سوريا تستعرض عضلاتها على الخليجيين الذين دفعوا ما تبقى من مصاريف المحكمة الدولية في وقتٍ مضارع لعملية الاغتيال إن مجرد quot;وجودquot; مغنية في سوريا له دلالة مزعجة للخليجيين، هذه الدلالة جاءت على لسان نائب في مجلس الأمة الكويتي وهو حسين الحريتي والذي قال لصحيفة quot;الرأيquot; الكويتية quot;يجب إعادة النظر مع الحكومات والمنظمات التي أخفت وتسترت على عماد مغنية طيلة السنوات الماضيةquot;.

2-الإرهاب الكامن:
في ظل احتدام الخصام السياسي، وفي ظل تحوّل المنطقة إلى ملعب لأمريكا وإيران، قد ندخل فجأة إلى مرحلة هي أخطر من مرحلة quot;إرهاب القاعدةquot; هذا النوع من الإرهاب دخله لبنان فعلياً من زمن بعيد، وقد تصبح ضحية له بعض الدول العربية الأخرى، يمكن أن أقول أننا ننتقل من quot;إرهاب القاعدةquot; إلى نوعٍ آخر من الإرهاب هو quot;الإرهاب الكامنquot; الذي يحدث تحت الأرض عبر استخدام الخلايا الخفية التي تنتقل كالدم بين العروق. قد تعتمد بعض الأنظمة استراتيجية quot;الإرهاب الكامنquot; السلاح الوحيد الذي تهدد به بعض الأنظمة quot;أمن المنطقةquot; خاصةً حينما نتذكر أن بعض الأنظمة تخشى من quot;الانقراضquot;.
ذلك quot;الإرهاب الكامنquot; سيجد في quot;عناصر القاعدةquot; أو quot;عناصر الميلشيات الشيعيةquot; العون على تنفيذ المخططات، يكفي أن نعلم أن عقدة تنظيم القاعدة تتلخص في حرف واحد quot;انعدام الأرض الآمنة للحركة والتدريب والتجنيدquot; وهو إرهاب ربما يكون عنوان المرحلة المقبلة ما لم تخف حالة الاحتقان السياسي الدولي.

3-من اغتال مغنية:
أغلب التحليلات لا تستبعد على الأقل علم سوريا بحادثة الاغتيال، أستشهد هنا بكلام لنائب رئيس سوريا السابق عبد الحليم خدام ففي تصريح له حمل الجهات الامنية السورية مسؤولية تصفية القيادي العسكري الاول في quot;حزب اللهquot; عماد مغنية لحساب اسرائيل، وقال في مقابلة اجرتها معه وكالةquot; آكيquot; الايطالية للأنباء quot;ان صاحب المصلحة الأولى في اغتيال مغنية هو اسرائيل التي نجحت في اختراق جهة أمنية ما قامت بتسهيل هذه العملية نظراً إلى أنها وقعت في منطقة أمنية حصينةquot;.
ألمحت الأخبار الصادرة اليوم 16 شباط أن حزب الله بدأ يناكف quot;استخبارات سورياquot; لأنه يريد الاشتراك في quot;التحقيقquot; وهو الأمر الذي رفضته سوريا جملة وتفصيلاً، علماً أن مسحاًُ كبيراً جرى على مسرح الجريمة أخفيت على إثره الأدلة الهامة، الأمر الذي جعل حزب الله لا يتّكل على سوريا في quot;التحقيقquot; فهو وإن كان حليفاً لها في لبنان لكنه لا يريد أن يقع في فخ مخابراتها، فحزب الله يعرف أكثر من غيره طبيعة العمل السياسي السوري، ونصر الله نفسه أثناء تحالفه الرباعي في لبنان أسمع سوريا كلاماً قاسياً وعرّفها أن يعلم جيداً أنها quot;متهةquot; باغتيال الحريري! فهو يعرف جيداً لعبتها الحالية. -حتى إيران- صرحت بالأمس أنها شكلت مع سوريا لجنة تحقيق بالحادث وهو الأمر الذي نفته سوريا-بل ربما رفضته-.
خدام لم يبعد حينما رأى أن quot;اغتيال مغنيةquot; نقطة سوداء في صفحة علاقة سوريا بإيران حتى لو لم يفك التحالف الاستراتيجي الحالي، لكنه قد يؤثر على مستقبل العلاقات بين البلدين مستقبلاً ذلك أن وجود مغنية في سوريا أحد المعلومات السرية فهي معلومة أمنية، والوصول إليها هو بمعنى ما quot;ثغرة أمنيةquot;.
الملفت أن مجدي كامل، صاحب الكتاب الوحيد في العالم عن شخصية عماد مغنية (عماد مغنية-الثعلب الشيعي) وصف مغنية بـ (رجل إيران في الشرق الأوسط) (وناشر التشيع في المنطقة) واستبعد مجدي كامل موت مغنية قائلاً: (لو كان عماد مغنية قد مات فعلا، فأنا أرجح أنه قد مات قبل فترة ميتة طبيعية، وقد سمعنا أنباء عن ذلك، ولم يصدقها أحد، وبالتالي قرر حزب الله إخراج حدث وفاة شخصية مثل عماد مغنية في مشهد استشهادي يختار له التوقيت وهو توقيت حاسم في دلالاته بجعلها مفاجأة تضرب حدثا تحتفل به قوى 14 آذار، ويجمع صفوفه حوله اسم كبير).
سوريا الآن تسوّق للتحقيق، والمعلم يحلف بالله أنه سيرسخ quot;العدالةquot; وأنه يسهر ndash;على غير العادة- على راحة الوطن والمواطن، لكن يبدو أن التحقيق قد يجرّ ويلات دبلوماسية من جهات لم تحسب لها سوريا-كالعادة- أيّ حساب.


فهد الشقيران
كاتب سعودي
[email protected]