على الرغم من ان المصادر الامريكية تشير الى انه من المبكر حسم الامر في معركة صولة الفرسان في البصرة من هو المنتصر ومن هو الخاسر لكن ذلك لم يقلل من قناعة البعض عند الشارع العراقي ان هذا النوع من العمليات اعتبرت بمثابة نقلة نوعية وبادره جديدة ومهمة وصفت بالشجاعة في تعزيز ثقة المواطن ازاء حكومته بقيادة المالكي، كما انها تدعم الدولة الدستورية في هيبتها امام الخارجين عن القانون.

لكن في قراءة بين أوامر السيد المالكي بخصوص تواجد السلاح إلاّ بيد الدولة وعدم السماح في حمله بغير ذلك النطاق وبين شروط السيد مقتدى الصدر التي اكد فيها على بقاء السلاح بيد جيش المهدي لمحاربة المحتل وعدم تسليمه للدولة ( أي انه يطالب بوجود دولة داخل دولة على غرار حزب الله اللبناني الذي في تفسيري يختلف ضرفه السياسي عن الوضع العراقي بكثير من القضايا الداخلية والاقليمية )، بقاء جيش المهدي حالة غير صحية قد تقود الى المزيد من المعارك المستقبلية شيعية شيعية اكثر من كونها امريكية صدرية.

ضمن هذه القراءة الواقعة بين شروط الدولة وضرورة احترام القانون وبين شروط السيد مقتدى الصدر من يعد الخاسر في جولة الفرسان ومن هو المنتصر؟

انا هنا لااريد ان اكون في موقع الدفاع عن التيار الصدري الذي كثيرا ما يقع قي مستنقع المتناقضات ضمن خطاباته المرتبكة لكن اذا كانت الدولة قد اعلنت في بداية حملتها انها استهدفت الخارجين عن القانون فما معنى ان يأمر السيد مقتدى الصدر اتباعه بعدم مواجهة عناصر الجيش والشرطة ومكاتب الدولة وذلك في خطوة لتهدئة الوضع مقابل شروط عدم تسليم سلاح جيش المهدي واطلاق سراح المعتقلين ووقف الاغتيالات ووقف المداهمات. يبقى السؤال من هو الغالب ومن هو المغلوب في صولة الفرسان؟

يرى بعض المراقبين ان هدف حملة صولة الفرسان هو لخلط الاوراق الامنية والسياسية وذلك في خطوة استباقية لتهيئة واعداد الشارع البصري وتوجيهه لصالح جهة معينة لانتخابات اكتوبر القادمة على حساب التيار الصدري الذي يعارض الفيدرالية ويرفض تمرير قانون النفط ويرفض وجود المحتل و المعاهدات الطويلة الامد مع الجانب الامريكي...........ضمن حسابات المراقبين هل يعني ان المالكي نفذ اجندة معينة لصالح كتل معينة؟ أو حتى لأ اجندات اقليمية بحملة تختلط الاوراق فيها ظاهرها امني وباطنها سياسي؟ ( لكن السيد المالكي ليس كذلك ولن نعهده يحمل هذا النفس ولن يعمل حتى لحزبه على حساب وطنيته ). أم انه فعلاّ لم يبح الى احد لاسباب امنية وانه اتخذ القرار بمفرده بمحاربة الخارجين عن القانون؟ وفي هذه الحالة هل سيخضع الى المسائلة القانونية امام البرلمان العراقي واذا جاءت النتائج غير مرضية له هل يعني ذلك ان خروجه من صولة الفرسان سيخسره الموقع السياسي لرئاسة الوزراء وهذا ما يرغب به البعض من الاحزاب الدينية وشخصيات حتى ممن اعتبرت من حزبه سابقا تتصيد له بالماء العكر؟

يطرح الواقع العراقي سؤالاً وهو في ظل بلد يغص ويغرق حتى النخاع في الفساد المالي والاداري وفي ظل الاختراق المكتسح لكل الوزارات من دون اي استثناء ابتداءا من الدفاع والداخلية والامن الى وزارات الثقاقة الاقتصاد والتجارة والاعمار وحتى التعليم وفي ظل وجود عصابات مافيا لتهريب النفط بشكل منظم تقف الكثير من وراءها شخصيات سياسية لكتل برلمانية او وزارية كما وفي وجود اكثر من عشر عصابات مجرمة تعمل فقط في البصرة تمارس التهريب والسرقات والقتل على الهوية ابتداءاً من عناصر النظام المقبور وانتهاءاً بعناصر مأجورة تعمل لصالح جهات حكومية ودول مجاورة كلها تتنافس على خيرات تلك المدينة وثرواتها النفطية ايضاً في ظل بلد يشيع فيه حمل السلاح ويعتبر الاخطر في العالم
في ظل كل هذه الفوضى كيف تستطيع الحكومة ان تميّز بعدالة قانونية من هو خارج القانون ومن يعمل مع القانون؟ وقد اختلط الحابل بالنابل. كما ان القضاء العراقي لايعمل ضمن الاطر الوطنية بسبب الاختراقات الكبيرة الحاصلة فيه والتي تعمل لاطراف حزبية وكتل سياسية تسير القضاء كما تشتهي اضافة الى التدخلات الامركية.

ففي ظل كل السرد السابق هل فعلا ان المخترقين أو الخارجين عن القانون وعصابات تهريب النفط والسراق وحملة السلاح هم فقط من اللذين يحتمون بعباءة زعيم التيار الصدري أم ان هناك عناصر اخرى تقوم بالكثير من الانتهاكات وتتجاوز على حرمة القانون ( المسيس) تريد ان تستأثر بالسلطة وتبسط نفوذها على اكبر ثاني محافظة بعد بغداد في الانتخابات المقبلة تعمل تحت حماية عباءات اخرى مدعومة من المرجعيات الدينية ويعتبر التجاوز عليها خطاً احمر لان ذلك سيقلب الكثير من الموازين امام حكومة السيد المالكي؟

الفقر والحرمان آفة كبرى والامام علي (ع) يقول لو كان الفقر رجلاّ لقتلته والتيار الصدري الذي يملك قاعدة مليونية في مدينة الصدر والبصرة وباقي محافضات الجنوب لم تر من النظام الحالي فارقاّ في تغيير حالتها المعيشية والصحية والخدماتية وقد حرمت في كثير من الاستحقاقات السياسية والخدمية ولم تحض مدينة الصدر إلاّ بالقصف والمداهمات الامريكية والسيارات المفخخة وطبقاتها المعدومة هي من واجهت النظام المقبور ومن على ارض الوطن وليس كمن هاجر ورفع صوته ضد النظام السابق وسط حياة يسودها رغد العيش، مدينة الصدر لم يرحمها العراق الجديد بقيت مهملة ولم تشهد الاّ المفرقعات وبقيت شوارعها تحتضن المياه الاسنة والراكدة سببت لاطفالها الكثير من الامراض وبقيت مدينة الصدر في الزمنين لاتملك الاّ الخرق البالية تحميها برد الشتاء وحرارة الصيف مما تحولت اراضيها الى ساحات هشّة امام المخترقين والمجرمين من اتباع النظام السابق وغيرهم.

تستطيع الدولة ان تبتدء بمشروع كبير تضع الحجر الاساس له الان وقبل الوصول الى موعد الانتخابات تغير فيه مدينة الصدر وتحولها الى مدينة عصرية تنعم بالرخاء والاقتصاد والاستقرار وان تحتضن وتستوعب الملايين من هذه الطبقات المحرومة.

دور الدولة في احتضان واستيعاب الطبقات المحرومة وحده لايكفي مالم يبرز دور المرجعيات الدينية العليا في تصحيح وتغيير جذور ومسارات المعادلات السلبية القديمة والسعي نحو تغييرها بالاتجاه الصحيح والعمل على اسدال ستار التنافس التاريخي العائلي بين مرجعيات حكيمية واخرى صدرية تنافست وتتنافس حول الايرادات الشيعية وخيرات مدنها حالياً او حول ما سمي في وقت النظام السابق مرجعية ناطقة واخرى صامتة تشكك الواحدة بالاخرى حتى وصل التشكيك بمصداقية كيفية التصدي للنظام البائد في تسعينات القرن الماضي افقدت الثقة بين العائلتين ولازالت تترك آثاراً وجروحاً عميقة قبيل الانتخابات القادمة لمجالس المحافظات.
ابراز دور المرجعيات الدينية بشكل مؤثر في هذه الفتره العصيبة من تاريخ الشيعة ولجم الفتنة بين المتنافسين يعتبر ضرورة ماسة قد يكون له الصدى الاكبر والاهم من الدور الحكومي للدولة في خلق علاقات متوازنة مع الطرفين والاهتمام بالمحرومين اكثر من المتنعمين.

ولعل العمل على انشاء واقامة مجلس شيعي اعلى حصين يتحاور مع الاطراف الشيعية والسنية و تقوم تحت ظله مصالحة شيعية عراقية شاملة هو الحل الامثل في هذه الفترة و هو ما طالب به قبلاً المرحوم الشهيد السيد مجيد الخوئي وقالها مرارا منذ انعقاد مؤتمر المصالحة العراقية في لندن عام 2002 وحتى ذهابه الى العراق ( غدا ستصلون الى العراق وستتصارعون وسيكون الصراع مريرا بينكم فلابد من ايجاد مصالحة شاملة لقد كان استشهاده ثمن سعيه وجهوده لانشاء مثل هذا المشروع الكبير.

ليلى البحراني