التقى السفير الأمريكي ريتشارد دوني في نهاية عمله بمصر بشيخ الأزهر في زيارة لا تحمل الصفة الرسمية. وذكرت مراسلة الأهرام مِن الأزهر عُلا مصطفى عامر في عدد الأهرام 3/4/2008 أن شيخ الأزهر حين عَلِمَ من السفير الأمريكي أنه سيعمل بمعهد السلام الأمريكي في واشنطن، فطلب منه ـ كما قالت الصُحفية ـ التركيز على مبدأ احترام العقائد السماوية والأنبياء والرسل، والاهتمام بنشر ثقافة التعاون بين أصحاب العقائد المختلفة دون توقف أمام أي اختلافات عقائدية، مشيراً إلى أنها أمور يحاسب عليها الله وحده.
كان الموقف الثاني حين التقى السفير الأمريكي والرئيس مبارك يوم الأحد13أبريل 2008 وبحثا العلاقات الثنائية بين مصر وأمريكا.
حدث الموقف الثالث بالفعل الفترة الماضية حين ذهب سفير أمريكا بصحبة محافظ إحدى المحافظات لزيارة مدرسة حكومية مصرية. يوجد بالمدرسة آلاف التلاميذ وتقع المدرسة في حي شعبي ويحيط بها سوق شهير. سبق وقدمت أمريكا للمدرسة مجموعة من أجهزة الحاسب الآلي وأهدتها المئات من الكتب للمكتبة وجددت ملعب المدرسة.
ذهب السفير الأمريكي والمحافظ لزيارة هذه المدرسة وتفقد الهدايا. عمل المسئولين برنامج للضيوف، استغرق البرنامج حوالي 12 دقيقة. رقص التلاميذ وغنوا. شاهد السفير معمل الحاسب الآلي الجديد الذي أُقيم قبل الزيارة بليلة واحدة. زار الضيوف الأماكن الهامة في المدرسة واستعرضوا المباني التي زينوها وأعادوا طلائها خصيصاً من أجل زيارة سفير أمريكا.
رجع السفير إلى سفارته وعاد المحافظ إلى مكتبه.
لكن القصة لم تنتهِ.
لقد بدأت القصة الحقيقة!!!!!
دفعت أمريكا فلوس للتطوير والتزيين. أحضرت كُتب للمكتبة. جَهزت مَعمل الحاسب بأجهزة الحاسب الآلي.
متشكرين يا أمريكا. جزاكَ الله خيراً يا سيد بوش.
لكن!!!!
ثاني يوم بعد مغادرة سعادة السفير، رجع quot;مقلب الزبالة العموميquot; أمام باب المدرسة. فهذا هو الوضع القديم وquot;المكان الثابتquot; قبل زيارة سعادة السفير ومعالي المحافظ.
وفي حصة الدين جلس التلاميذ المسيحيين على الأرض في الفناء بجوار سور المدرسة.
أين quot; المكان الثابت quot; للتلاميذ المسيحيين في حصة الدين المسيحي؟
ليس لهم مكان!!!!!
و يجلس المسئولين وغير المسئولين، الكاذبين منهم والمنافقين يتحاورون عن quot;المواطنةquot; وquot;الحقوق المتساويةquot; لكل المصريين. ويصدعون رؤوسنا بحديث النسيج المصري الواحد. ولكم ما لنا. وعليكم ما علينا. وغيرها من الكلمات الجوفاء من أي قيمة، أو معنى. ويطالبنا المسئولين بالضرائب. ويحدثوننا عن حقوق الإنسان وحريته. ويسألوننا أين التمييز الديني وأين اضطهاد التلاميذ المسيحيين في المدارس المصرية؟
يا للعجب
حين تسأل: أين يقع quot;مقلب الزبالة العموميquot;؟
الإجابة جاهزة: مقلب الزبالة العمومي مكانه ثابت ومعروف أمام باب المدرسة.
لكن حين تبحث: أين يجلس التلاميذ المسيحيين؟
فلن تجد إلا القول: ليس لهم مكان.
ضحكوا عليك يا سفير أمريكا.
للزبالة مكان ثابت والتلاميذ المسيحيين ليس لهم مكان في مصر. ليست المسألة بهذه البساطة أن يجد التلاميذ المسيحيين مكان ثابت لهم في مدرستهم التي يدفع أولياء أمورهم تكاليف إنشائها من ضرائبهم، لكن المسألة الأهم هي عدم احترام إنسانية المسيحيين في مصر.
إنها قصة حقيقية.
إلى شيخ الأزهر الكريم، ليس المهم هو احترام العقائد والأنبياء والرسل لكن الأهم هو احترام الإنسان الذي كانت من أجله هذه العقائد.
شيخ الأزهر العزيز، إن الدين ـ أي دين ـ الذي لا يحترم أتباعه إنسانية الآخرين فلا قيمة له. كيف أؤمن بدين أياً ما يكون يجبر أتباعه على كراهية الآخرين المختلفين معه في العقيدة، وإن كان ليس كلاماً وتعليماً يقال فقط لكنه أيضاً أسوء من ذلك وهو فعلاً يمارس ضد المختلفين؟
فما معنى يا عزيزي شيخ الأزهر أن يجد التلميذ المسيحي نفسه مجبرا على الخروج من فصله ومكانه للذهاب إلى مكان غير ثابت ويصبح كَماً مُهملاً تتقاذفه الطرقات والملاعب حتى نهاية حصة الدين؟
السيد سفير أمريكا السابق في مصر والمزمع أن تعمل في معهد السلام الأمريكي بواشنطن والمهتم بدراسة العلاقات بين الأديان، ليس المهم أن تعرف النصوص المقدسة التي يستند عليها أتباع مذهب رفض الآخرين، لكن الأهم أن تراقب إهانة الإنسان أياً ما يكون هذا الإنسان وتوجه جهدك يا عزيزي نحو العمل على حَث أتباع مذهب رفض الآخرين لكي يحترموا حقوق الإنسان المختلف معهم عقيدةً أو ديناً أو مذهباً. ليس المهم عزيزي السفير احترام العقائد أو الأنبياء أو الرسل، لكن الأهم هو احترام الإنسان أياً ما تكون عقيدته.
أيمن رمزي نخلة
[email protected]
التعليقات