لم نستغرب أن ينشر مقال في صحيفة quot;الوطنquot; السعودية مليء بالاستخفاف بالإمارات وشعبها، حيث ادعى الكاتب ياسر سعيد حارب أنه أجرى استطلاعاً للرأي على مجموعة من أصدقائه في الإمارات، وتبيّن له من خلال أجوبة هذه المجموعة أن الإماراتيين ليس لهم رأي في القضايا الحيوية مثل قضية الجزر والتركيبة السكانية والصراع بين الولايات المتحدة وإيران. وأضاف أن الإماراتيين يهتمون فقط بالحديث عن ازدحام الشوارع في دبي، واستغرب عدم وجود كتّاب إماراتيين في باب الرأي في الصحف المحلية إلاّ ما ندر.
ولا بدّ من التساؤل، أولاً، عن هوية هؤلاء الأصدقاء الذين استطلع الكاتب آراءهم، وهل هم كبار في السن أم مراهقون صغار، وكيف حصل على آرائهم؟. الواقع أن تحديد هوية هؤلاء تبيّن لنا طبيعة الكاتب لأنه صديق لهم وطالما أنهم لا يعرفون شيئاً عن القضايا الحيوية التي تهم الدولة والمجتمع في الإمارات، فإنهم حتماً من الناس الذين لا يقرأون كثيراً من الصحف ويعزفون عن القراءة الجادة ذات المضمون الفكري والسياسي. وبالتالي، فإن آراءهم هذه لا يعتدُّ بها، لأنهم لا يمثلون إلاّ مجموعة صغيرة من أبناء مجتمع الإمارات الذين تغيروا بفضل تغيرات العصر السريع، وأصبحت وسائل قراءتهم الهاتف والإنترنت. ومن الحظ العاثر لهذا الكاتب أنه نسب نفسه إلى صداقة هؤلاء وأصبح، بالتالي، مثلهم لا يعرف شيئاً عن القضايا التي أشار إليها، بل يسعى إلى تشويه صورة أبناء دولة الإمارات، وهو ما لا يمكن القبول به أو السكوت عليه بأي حال من الأحوال، إذ لا يمكن فهم مغزى هذا المقال المنشور إلاّ في هذا الاتجاه. ولعل أخطر ما يهدد الأمة في حاضرها ومستقبلها، هو وجود من يتنكّر من أبنائها لكل الإبداعات التي تقوم بها في الحياة. فلا أحد كان يتصور أن شعب دولة الإمارات الذي كان يعيش قبل نحو 40 سنة في فقر وجهل ومرض، قد تحوّل الآن إلى أحد الشعوب المتطورة في العالم.
وقد يقول قائل، إن النفط هو الذي صنع هذه المعجزة، وقد يكون هذا الكلام صحيحاً، لكن لا شك أن وجود الثروة لا يكفي، لأن الثروة تحتاج إلى عقول كبيرة تعرف كيف تحافظ عليها وتستثمرها في صالح الأمة. وقد قيّض الله لدولة الإمارات قيادة حكيمة ورشيدة ومحبة لشعبها، عملت على تسخير الثروة لصالح إنشاء بُنية تحتية عمرانية واقتصادية متطورة. كما ركّزت جهودها على بناء الإنسان، من أمثال الكاتب، من خلال إنشاء المدارس والجامعات، وابتعاث الطلبة والدارسين إلى جامعات العالم العريقة ليعودوا منها حاملين معهم شهاداتهم العلمية التي تخولهم خدمة وطنهم على أحسن وجه. وبفضل الجهود الكبيرة التي بُذلت، أصبحت دولة الإمارات تنعم بالأمن والرخاء، حقوق الإنسان فيها مصانة، والحريات العامة مضمونة، وتفتح صدرها بترحاب لكل قادم جديد. ويُشكّل اشتداد الزحام في أم المدائن quot;دبيquot; دليلاً على أن هذه المدينة تجسّد نمط المدينة العالمية بامتياز، وأن دولة الإمارات التي تُعدّ دبي جزءاً منها، تمثل درّة الخليج وجوهرة الشرق العربي، ولا مبالغة في هذا الكلام. فالقادم إلى الإمارات يلحظ هذا الأمر منذ الوهلة الأولى، ويلمس مساحة الحرية الموجودة في هذه الربوع.
وما تفخر به الإمارات هو تلك الصحافة الحرّة التي تدفع الكثير من المثقفين والمفكرين العرب والأجانب لاختيار الجرائد الإماراتية كمنابر لنقل أفكارهم وآرائهم إلى العرب في كل مكان. وكاتب المقال يرى هذا الأمر ظاهرة غير صحيّة، ونحن نراها من أصحّ الظواهر في الإمارات والعالم العربي. فما العيب إذا كان هناك كتّاب عرب وأجانب يكتبون آراءهم في جرائد الإمارات إلى جانب الكتّاب الإماراتيين. إننا لا نرى في ذلك عيباً ولا انتقاصاً من كرامة الوطن وأبنائه، وعلى الجميع الاعتراف بجمال الواقع وقول الحق والحقيقة.
محمد خليفة
كاتب من الإمارات
البريد الإلكتروني: [email protected]
الموقع الإلكتروني: http://www.mohammedkhalifa.com
التعليقات