مافعله حزب الله في بيروت يمثل تتويجا لسيطرته الكاملة على الدولة وصورة مرعبة لمستقبل البلاد الذي تريد ايران جعله النقطة المركزية في تنفيذ مخططها الرامي الى الهيمنة الكاملة على المنطقة بوصولها الى الشواطئ المتوسطية ومرابطتها عبر حزب الله على الحدود مع اسرائيل.


الرئيس الاسرائيلي شمعون بيرس وصف انقلاب حزب الله بأنه quot; المفاجآة الكبرىquot; وقال quot; ان نصرالله يريد تقسيم لبنان، وجره الى الحرب الاهليةquot;، فيما قال مراقبون quot; ان حزب الله ادخل لبنان في مأزق ستكون له انعكاسات خطيرة للغايةquot;.


وتفيد معلومات موثوقة ان قرار اجتياح بيروت و ما رافقه من استباحات و عمليات قتل على الهوية وحرق مؤسسا ت اعلامية و اغلاق اخرى مناصرة و تابعة لتيارالمستقبل،على يد ميليشيات حزب الله و حركة امل وقانصوه السورية اتخذه الحزب قبل سنة او نصف سنة على الاقل حينما فشل اقفال بيروت وقطع طريق المطار في 23 يناير العام 2007، ونفذه الان متذرعا بقرارات الحكومة التي تستهدف ما سماه quot; امن المقاومةquot;.

لقد ادخل الحزب لبنان في المأزق، اذ يعتبر المراقبون ان انقلاب بيروت هو امتداد لحرب يوليو العام 2000 التي مثلت سعيا ايرانيا بالتمدد نحو المتوسط و استخدام لبنان في ملفها النووي، ومحاولة لتجاوز فشلها في تحقيق هذا الهدف بالارتباط مع انقلاب حماس في غزة.
وكانت تسربت بعد انقلاب غزة معلومات و تداولت اشاعات عن تحرك مماثل سيحدث لاحقا في بيروت اجلته كما يبدو بعض التطورات و الاحداث الضاغطة.
الا ان ما نسيه حسن نصر الله هو ان هناك فارقا كبيرا بين غزة ولبنان وهو ان الاخير يضم قوى اساسية من طوائف متعددة على غير ما هو الوضع الفلسطيني اولا و ان حماس فشلت في انقلابها ودخلت في مباحثات و حوارات متعددة مع السلطة و تسببت في مآس اجتماعية للفلسطينيين لا تزال كوارثها حتى اللحظة، فضلا عن اقحامها القضية الفلسطينية في ازمات و صراعات سياسية و عسكرية ميدانية داخلية لا تنتهي ثانيا.
وثالثا و ليس اقل اهمية ان قيام الميليشيات المسلحة برفع صور بشار الاسد مكان صور الحريري الاب و الابن، اعاد الذاكرة الى زمن الهيمنة السورية وبهذا فلقد احرج هذا حلفاء نصر الله المسيحيين الذين بنوا جميعهم امجادهم السياسية على مواجهة الوصاية السورية، ولعل من المحرج ايضا لزعماء المسيحيين و في مقدمتهم الجنرال عون فقدان لبنان لتوازنه السياسي الطائفي لمصلحة طائفة واحدة لن تلبث ان تفرض شروطها بقوة السلاح الذي تمتلكه على رئيس الجمهورية المقبل مثلما كانت فعلته من قبل مع الرئيس سئ الصيت لحود.

انقلاب نصر الله الدموي سيعقد الوضع في لبنان قياسا بالتعقيدات التي ادخلها تعامل العواصم العربية و الدولية الفاعلة مع انقلاب غزة، بحيث اصبحت الحركة الاسلامية المدعومة من المحور السوري ndash; الايراني طافية وحدها في المواجهة، مكسبا شرعية عباس المزيد من الاوراق السياسية، وهو ماسيحدث مع حزب ولاية الفقية في لبنان تبعا لما سيتخذه من افعال و قرارات في المستقبل و بعد ان تنكشف نتائج ما يجري خلف الكواليس العربية و الغربية و الدولية لمواجهة التطور الجديد و انعكاساته و تاثيراته متعددة الامتدادات و الساحات.


وبحسب مصادر دبلوماسية لquot; الوطنquot; فأن ايران ارادت من خلال توجيه نصر الله للقيام بانقلابه ارسال مجموعة رسائل في وقت واحد، الاولى الى الغرب خلال مناقشة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن الحوافز الدولية الجديدة و ذلك بأصرارها على عدم التوقف عن تخصيب اليورانيوم، والثانية الى العرب، بأصرارها على لعب دور محوري في قلب العالم العربي من العراق الى فلسطين و الان في بيروت.
وبهذا المعنى فان لبنان اصبح جنبا الى جنب مع العراق و فلسطين عوامل رئيسية للمفاوضات التي تريدها القيادة الايرانية، و ليس مصادفة وفق المصادر نفسها quot; ان يحدث انقلاب نصر الله و الرئيس بوش يستعد للقيام بجولته الجديدة في الشرق الاوسط التي ستتركز على مستقبل المنطقةعلى خلفية التداعيات التي تشهدها الان، كما انه ليس من المصادفة ان تضع ايران قدميها على البحر المتوسط و عند ميناء بيروت بعد ما كان المحور العربي الممتد من مصر الى الاردن وصولا الى السعودية يريد ابعادها الى خارج المياه المتوسطية.

ما حدث و ماسيحدث لاحقا في لبنان و العراق وفلسطين بكل من يحمله من مخاطر سيعطي ملامح لافاق المرحلة الجديدة التي ستدخلها ايران و تتمحور في خطرين، الاول: احتمال حرب اسرائيلية جديدة على لبنان عبر البقاع الغربي هذه المرة، والثاني: تزايد احتمالات دخول الصراع حول ملفها النووي طريقا مسدودا وسط معلومات عن تواصل التحضيرات الاميركية لتوجيه ضربة قاصمة لايران وفق ما ورد في تقرير غربي نشرته quot; الوطن quot; امس السبت.
ولا ينبغي اغفال تقارير غربية استخبارية تناولت شبكة اتصالات حزب الله التي كشف عنها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط واهداف ربطها بسوريا و بمواقعها الدفاعية في المناطق المطلة على اسرائيل، ويبقى السؤال هل يمكن لاسرائيل بعد كل ذلك ان تبقى غير مبالية و صامتة؟.

محمد خلف