خمس سنوات على الاطاحة بالديكتاتورية في العراق الذي اراده بوش في ستراتيجيته نموذجا للشرق الاوسط وتهديدا لثيوقراطية ايران،التي على العكس اصبحت بدلا من ذلك الفائز الاكبر من الحرب الاميركية و المسيطر الاساسي على كل مفاصل الوضع العراقي و المقوض الناجح للستراتيجية البوشية للشرق الاوسط الكبير.
يقول الخبير في مجلس العلاقات العلاقات الخارجية الاميركي، ومؤلف كتاب quot; انبعاث الشيعة: كيف سترسم الصراعات داخل الاسلام المستقبلquot; والي نصر quot; في ظل الفراغ السياسي الذي اعقب سقوط صدام، انتشر التأثير الايراني بسرعة في جنوب العراق على شكل ارتباطات تجارية و نمو استخباراتي و علاقات سياسية ثم سرعان ما تمدد الى كل مؤسسات الدولة ووزارات الحكومة و الهيئات الدينية و القبلية الشيعية و الاجهزة الامنية و العسكرية و السياسيةquot;.
بعد خمس على صدام مايزال العراق ضعيفا و مفككا و مضطربا يعم فيه الموت و السواد و العنف و الفساد و تسوده الدوغما الدينية والمزايدات السياسية و الانهيارات الامنية و المعيشية، فيما صار الطرفان الاميركي و الايراني، الاقويين على الارض العراقية، الاول بقواته المنتشرة في كل مكان، والثاني بتحكمه بمقدرات السلطة و حياة العراقيين و امنهم بواسطة الحلفاء من احزاب الاسلام السياسي الشيعي والكم الهائل من الميليشيات و المجموعات المسلحة التي يمولها بالاموال و يدجهها بالاسلحة الحرس الثوري الايراني لتكون مرتكزاته لتقويض المشروع الاميركي للعراق و المنطقة.
وبعد اتهامات الجنرال بتريوس والقادة العسكريين الاخرين في العراق لايران بتمويل و تسليح الميليشيات و من تطلق عليهم الجماعات الخاصة، دخل الادميرال مايك مولين رئيس هيئة الاركان المشتركة على الخط قائلاquot; ان ايران لا تساهم بالسلاح فقط وانما ماتزال تدرب عراقيين على اراضيها بهدف قتل الاميركيين عند عودتهم للبلادquot;.
ويشير تقريراعده استاذ الدراسات الايرانية بكلية الاداب بجامعة طنطا المصرية الدكتور مدحت حماد، وعرضه في ندوة عقدها المركز الدولي للدراسات المستقبلية و الستراتيجية في القاهرة في مارس الماضي الى ان ايران اخترقت العراق بشكل ساحق الى درجة انه يشكل خطورة كبيرة على مستقبل البلاد، مقارنا اياه بالوجود الاميركي في اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
ويعترف التقرير بحالة من الرعب تنتاب الدول العربية من ايران لغياب التوازن في علاقات الطرفين معتبرا ذلك السبب الذي دفع مصر الى اعادة تنشيط علاقاتها بايرانquot;.
لقد كان الدور الاقليمي ويظل حتى الان الهاجس الذي يتحكم بوعي القادة الايرانيين منذ تأسيس الدولة الايرانية الحديثة، ولم تكن محاولاتهم لمد نفوذ بلادهم الى العراق وليدة الحرب الاميركية، بل هي تعود الى الماضي لان توسع و توطد مثل هذا النفوذ يقرردرجة قوة بلادهم الاقليمية، الان الابواب انفتحت عريضة امامهم ليس للاجتياح quot; الصامتquot; و التمدد في الارض العراقية مع دخول القوات الاميركية و اسقاطها الصنم في 9 ابريل 2003، بل لجعل العراق مرتكز الانطلاق التوسعي باتجاه منطقة الخليج كلها.
وتذكر كتب التأريخ ان الشاه عباس الصفوي سافر في بدايات القرن السادس الميلادي من اصفهان حتى العتبات المقدسة في النجف مشيا على الاقدام ليكنس قبر اميرالمؤمنين علي بن طالب ويلقب نفسه على العملة الرسمية بquot; كلب عتبة علي quot; رغبة بلاده التأريخية في العراق و طموحها الى لعب دور اقليمي متميزquot;.
ولعل مصيبة العراقيين الرافضين للدور الايراني التعطيلي لتطور بلادهم و مستقبلها السياسي و الاقتصادي والتنموي، يكمن في ان الجمهورية الاسلامية فرضت تأثيرها و امسكت بمفاتيح البلاد و مصيرها في ظل عدوها الاكبر، الولايات المتحدة الاميركية و تحت انظار قواتها المسلحة، وهي ما زالت مستمرة في ذلك عبرادواتها في السلطة التي وصف نائب الرئيس تشيني احد اعمدتها زعيم المجلس الاسلامي الاعلى عبد العزيز الحكيم بانه quot; حليفنا الوثيق الساعي لتدعيم الديمقراطية في العراقquot;.
من الواضح ان ايران تتحرك في اتجاهات مختلفة من حسابات تنطلق من انها الوحيدة القادرة على اشغال الفراغ في العراق فيما لو قرر الرئيس الاميركي الجديد سحب قوات بلاده، متجاهلة ان حقائق الواقع و معطياته تخالف صياغات الشعارات الانتخابية، لان الادارة القادة سواء اكانت ديمقراطية ام جمهورية، تتعامل مع الاحداث من منطلق المصالح الستراتيجية الكونية للبلاد بحيث لا تتعامى او تتناسى متغيرات 11 سبتمبرداخليا و عالميا اولا، ولان وجودها في العراق مرتبط ليس فقط بستراتيجية رسم جديد للمنطقة ديمقراطيا و بوجود الاحتياطي النفطي ثانيا، وانما باستقرار الحلفاء المهددين بفعل الجموح السياسي الهجومي للقادة الايرانيين بتغيير ادارة العالم عبر نشر ثقافة الاستشهاد كما ورد على لسان الرئيس نجاد.
ايران مسلحة بالفشل الاميركي في العراق، تبدو عاجزة عن استيعاب و فهم فكرة ان العالم تغير و ان القرن الواحد و العشرين شئ آخر، و تعاند برفضها وعي حقيقة انه ليس من المسموح لها بفرض مشروعها الخاص على العراق.
ربما ستتمكن ايران من ممارسة نفوذ اكبر في العراق، غير انها لن تستطيع امتلاك مشروع خاص، لان الاميركيين متحدين مع الحلفاء لن يسمحوا لها بذلك، ومن هذا المنطلق فأن واشنطن سوف لن تترك العراق او تغادره مهزومة، و لن تسمح لها بان تتحكم بنفط الخليج و منابعه وجعل العالم تحت رحمة رجال دين يروجون للشهادة او سياسيين خرجوا من رحم ميليشيات الحرس الثوري.
الحرب على العراق برأي نصر quot; حولت ايران الى مصدر للخوف في المنطقة، الا انها مستعدة لدفع الثمن للفوز في العراق quot; مضيفا انها ايضا quot; عبدت الطريق امام الهيمنة الايرانية على الخليج، اذ مع سقوط الجيش العراقي لم يعد هناك من سند عسكري في الخليج يستطيع احتواء طموحات ايران التوسعيةquot;.
محمد خلف
التعليقات