حدث ومناسبة يشغلان بال المصريين اليوم. الحدث هو الإضراب العام الذي دعت إليه بعض القوى الصغيرة وأيدته قوى أكبر بحجم حماعة الإخوان المسلمين وحركة كفاية. أما المناسبة فهي عيد ميلاد الرئيس حسني مبارك الثمانين. تزامن الحدث مع المناسبة لم يكن اعتباطياً، ولكنه كان مرتباً، حيث رأت المجموعة المنظمة للإضراب أن الرابع من مايو أو يوم ميلاد الرئيس هو الأنسب لإبلاغه باعتراض المضربين على حكمه الممتد منذ عام 1981. وقد رأى بعض المصريين أن الإضراب ما هو إلا quot;كرسي في الكلوبquot; لإفساد الاحتفالات الإعلامية الرسمية بعيد ميلاد الرئيس مبارك. المثير أن
متوسط أعمار الشباب من منظمي الإضراب ربما لا يزيد عن عمر نظام الرئيس مبارك الذي يتحداه المضربون.
ولقد كان في اختيار موعد الإضراب العام بالتزامن مع يوم ميلاد الرئيس مبارك رسالة تحدي واضحة أزعم أن احداً لم يجرؤ من قبل على الإقدام عليها. ولكن هل يقدر منظمو الإضراب على حشد الشعب المصري خلفهم لإبلاغ الرئيس مبارك برسالة شديدة اللهجة؟ هذا هو المحك الذي سظهر مدى قوة المنظمين في مواجهة نظام لا يزال يمسك بقوة على زمام الأمور في مصر رغم علامات الشيخوخة الواضحة التي تبدو على رموزه. لعدة أسباب لا تبدو مهمة منظمي الإضراب يسيرة. يأتي على رأس الأسباب أن القائمين على الدعوة للإضراب هم فقط مجموعة صغيرة من الشباب الغير مدعومين من القوى
السياسية والتنظيمية المؤثرة على الساحة المصرية. فباستثناء حركة كفاية المشوشة لا يبدو أن هناك قوى أخرى مستعدة للاشتراك في تحدي النظام في يوم ميلاد رئيسه. ولقد كان رفض الأحزاب السياسية وبعض القوى الوطنية الأخرى كالأزهر والكنيسة القبطية المشاركة في الإضراب ضربة قوية له.
ترددت أنباء عن قبول جماعة الإخوان المسلمين للاشتراك في الإضراب العام، ولكن من غير المعروف إن كانوا سيلتزمون حقاً به أم لا. فقد اكتفت الجماعة بالإعلان على لسان مرشدها العام محمد مهدي عاكف بأنها ستتجاوب مع الدعوة إلى التزام المواطنين بيوتهم يوم 4 مايو غير أن عاكف استبعد من المضربين من أسماهم بالفئات التي تتوقف عليها صحة المواطنين والامتحانات ومرافق الدولة الحيوية. رغم تصريح مهدي عاكف، إلا أنني لست أعتقد بأن الجماعة ستشارك بالفعل في الإضراب لثلاثة أسباب مهمة. السبب الأول هو أن الجماعة غير مستعدة لقبول لعب دور ثانوي في إضراب لم
تدعو هي له. والثاني هو أن الجماعة لا تبدو مستعدة في الوقت الراهن للدخول في مواجهة علنية صعبة كهذه مع النظام، فالجماعة تفضل العمل في الخفاء وتحت جنح الظلام طالما لم تتوافر لديها مقومات النجاح النهائي. والثالث هو حاجة الجماعة لأن تلملم أشلائها المتبعثرة من جراء الحملات الامنية التي تشنها السلطات المصرية ضد رموزها.
لم يقدم منظمو الإضراب أسباباً للدعوة إليه باستثناء الاعتراض على حكم الرئيس مبارك، فبدا الإضراب كما لو كان مسعى فعلي لإفساد حفل إطفاء شموع عيد ميلاد الرئيس. وقد ذكرت حركة كفاية على موقعها الإلكتروني أن إضراب الرابع من مايو يأتي في إطار quot;حملة عصيان مدني سلمي متصاعدة بهدف الإنهاء الشعبي لحكم الديكتاتور و عائلته.quot;
مرة أخرى تطالب بعض الأطراف المصرية برحيل نظام الرئيس مبارك من غير أن تقدم البديل الذي يمكن أن يجنب مصر فراغاً شبيهاً للذي تشهده لبنان أو اقتتالاً داخلياً مثل الذي يشهده العراق. فبعد انفراط عقد المعارضة الحزبية التقليدية المتمثلة في حزبي الوفد والتجمع، لم تقدم الساحة السياسية المصرية من هو قادر على تحمل مسئولية قيادة البلاد بصورة جدية. البديل الوحيد الذي يبدو أن الكثيرين يسعون بطريق مباشر أو غير مباشر لفرضه على مصر هو الإسلام السياسي الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين. هذا البديل هو الحل الأسوأ ليس لمصر فحسب، لكن لمنطقتي الشرق
الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط وربما للعالم كله. فظهور نظام حكم إسلامي رجعي تقدوه جماعة الإخوان المسلمين في مصر سيعود بكل تأكيد ببلاد النيل قروناً إلى الوراء، وسيشعل من دون شك المنطقة بالمزيد من الحروب والصراعات.
لا ينبغي فهم هذا المقال على أنه تأييد لنظام الحكم المصري، ولكن ينبغي أن يفهم على انه دعوة لتفعيل العقل في أمور مصيرية كمستقبل بلد مهم كمصر. الأمر هنا لا يتعلق بنظام معين أو بلد محدد، ولكنه مرتبط بالبديل الأفضل. فتأييد مبارك في مصر والأسد في سوريا وعبدالله في الأردن وبوتفليقة في الجزائر ضروري إذا كانت البدائل لكل هذه الأنظمة أنظمة حكم دينية رجعية كالنظام الذي يحكم إيران. إذ أنه ليس من الجيد لأي من هذه الدول استبدال أنظمتها الحالية بنظم حكم تقودها دوافع دينية وعنصرية لا ودوافع وطنية. فإن لم تسر الدول والشعوب إلى الأمام فخير لها أن
تستمر في أماكنها الحالية، حتى وإن كانت تئن في هذه الأماكن. وما لم تكن هناك ضمانات قوية بديمقراطية حقيقية في مجتمعات هذه الدول، فليس هناك داع للمغامرة بمستقبل الأوطان.
ولا زلت أعتقد بأنه من الأفضل للقوى الديمقراطية والوطنية المعارضة في الدول الراغبة في إحلال أنظمتها الحاكمة الحالية بأنظمة ديمقراطية أن تقوم بدورها في التمهيد للتغير عبر توعية شعوبها سياسياً واجتماعياً وثقافياً. فهذا برأيي خير من قيامها بمحاولة إسقاط الأنظمة الحاكمة وتمهيد الطريق لأنظمة أكثر فساداً وسوءاً.
بقي أن نتساءل عن فرص نجاح إضراب اليوم. ربما لا تبدو فرص هذا الإضراب أفضل من إضراب السادس من أبريل الماضي، إذ أن النظام يملك من الوسائل السياسية والإعلامية والأمنية ما يمكنه من تخدير المصريين وتوجيههم وربما أيضاً ردعهم. يضاف إلى هذا أنه لا يبدو أن الحراك السياسي الضعيف في مصر سيتمخض عن تغيير في المستقبل المنظور. ولقد كان إعلان الحكومة المصرية، في مناسبة الأول من أيار/مايو، زيادة أجور العمال بنسبة ثلاثين بالمائة بمثابة كعكة عيد ميلاد الرئيس التي تقدمها الحكومة للمصريين، وهي خطوة حكومية هدفت بالمقام الاول لقطع الطريق على منظمي
الإضراب. وإذا نجح الطعم الحكومي فإن مصر ستشهد بالتأكيد يوماً هادئاً وأن الرئيس مبارك سيطرب كثيراً لعبارات الثناء والتهنئة التي سيرددها مريدوه على شاشات التلفاز وصفحات الجرائد، وأن حفل إطفاء الشموع الثمانين لن تعكره أخبار مظاهرات أو شلل للحياة العامة في مصر.
جوزيف بشارة
[email protected]
التعليقات