عندما تهزم الأمم فعلياً يسود وعياً وثقافة معينة تتناسب مع ثقل تلك الهزيمة وأبعادها، فبعد أن هزمت اليابان وألمانيا أعلنتا استسلامهما حصلت تبدلات وتغيرات كبيرة داخل تلك المجتمعات وربما شعور بالذنب لما جرته تلك الحرب التي تسببت تلك الدولتان في قيامها على الإنسانية جمعاء ووضعت الخطط على ذلك الأساس وفي اتجاه النهوض والعودة الى الفاعلية الدولية من أبواب أخرى.

هذه في بعض أبعادها ثقافة الهزيمة، ولكن أن يكون وعي الهزيمة نفسه ثقافة فذلك شأن آخر. أنا أعتقد أننا دخلنا هذه الدائرة بعد حرب أكتوبر عام 73 وتم هضمها واستيعابها بعد رحيل الرئيس السادات وبالتالي تم التصرف من خلالها بعد قيام القطب الواحد في نهاية الثمانينات، فالتحرك العربي منذ ذلك التاريخ ينطلق من هذا الأساس، الشئ المدهش أننا كأمة لم نتعرض لكارثة بقدر ما تعرضت لـه اليابان أو ألمانيا في الحرب الثانية من تدمير واحتلال من قبل قوات الحلفاء، فنكسة حزيران بقدر بشاعتها وتأثيرها على الأمة لم تفك من عضدها بحيث استطاعت الأمة وبعد أعوام قليلة من ذلك شن حرب قوية ضد المحتل الإسرائيلي، فلم تكن هناك ثقافة للهزيمة بعد تلك النكبة ولكنها كانت ثقافة التحدي والإصرار على مسح أثار العدوان، ولكن كيف تم إدخال الأمة وأنظمتها داخل نسق التفكير من خلال الشعور بالهزيمة؟

أول ما يتبادر الى الذهن للإجابة على هذا السؤال هو استبدال النظرة القومية في الدائرة العربية والنظرة الأبعد شمولية وهي الإسلامية بالنظرة القُطرية. فلم يعد هناك أمن قومي أو إسلامي وأنما هناك أمن قُطري وربما شخصي لكل نظام. أن التفكير من خلال القُطرية الضيقة في عالم اليوم يُعد هزيمة في حد ذاته. فالخلل الحاصل اليوم في عالمنا العربي خلل هيكلي وهو عبارة عن مزيج من القُطرية تمثلها الأنظمة وشعور قومي تموج به الشعوب وتنادي بسيادته وفي كلا الحالتين لابد من توافق الطرفين للخروج من هذه الازدواجية، فالقُطرية ليست مقيته إذا ما كانت حلقه ضمن رؤية أكبر واتسعت أهدافها لتشمل المستقبل ضمن الأبعاد الجغرافية والتاريخية، ولكنها مأساة عندما تدفع بنا للتفكير كمهزومين، ونحن أمة لم تهزم ولا تزال تحمل في طياتها أوصالاً كثيرة وشرايين عديدة للحياة الكريمة. أنه وعي الهزيمة الذى يدفعنا الى استشعارها حتى قبل أن تقع.

عبدالعزيز بن محمد الخاطر
كاتب قطري